أخبار الدار

المشيشي العلمي: لا أدري لماذا يطالَب معتقلو الريف بالمراجعات؟ (1/2)

الدار/ حاوره: رشيد عفيف

في الجزء الأول من هذا الحوار، الذي خص به وزير العدل الأسبق، ومدير المعهد العالي  للإعلام والاتصال سابقا، محمد الإدريسي العلمي المشيشي، موقع "الدار"، يكشف الفقيه الدستوري أن مطالب الشباب المعتقلين على خلفية احتجاجات الريف كانت مشروعة وموضوعية ومستحقة. ويتساءل مستغربا هل كان عليهم أن يطالبوا بالسجون ومفوضيات الشرطة بدل الجامعات والمستشفيات، مؤكدا في الوقت ذاته أن العنوان الرئيسي لعمل الحكومة الحالية هو الارتجالية، مستدلا على ذلك بالقرار المتعلق بفرض الساعة الإضافية.

– أخيرا، صرح وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد بأن معتقلي الريف عليهم القيام ببعض المراجعات إذا أرادوا أن يستفيدوا من العفو؟

– لا أدري. في الحقيقة وبكل موضوعية لقد كانت المطالب التي رفعها هؤلاء وصدحوا بها ليلا ونهارا مطالب يشهد الجميع بمصداقيتها ومعقوليتها وأحقيتها، لقد كانت مطالب لبناء مستشفيات وجامعات ومصانع وطرقات. هل يمكن التراجع عن مثل هذه المطالب أو مراجعتها؟ بماذا يجب أن يطالب هؤلاء؟ بالسجون أو مفوضيات الشرطة؟ لن أقحم نفسي في تأويلات حتما ستكون خاطئة لمعنى المراجعات.

– تتابعون ما يجري، أخيرا، من احتجاجات في قطاعات وشرائح اجتماعية مختلفة كالأساتذة والطلبة، ونلاحظ أن هناك حالة من الغليان وروحا احتجاجية تسري في المغرب. كيف تقيمون المقاربة الحكومية لهذه الملفات الساخنة؟

– هناك شيء من الارتجالية وعدم أخذ الدروس من تجارب الماضي. ولنأخذ مثالا على الارتجالية بمسألة الساعة الإضافية، فكل المبررات التي تم تقديمها من طرف الحكومة كانت خاطئة. والمبرر الصحيح لم يذكروه رغم أن صاحب هذا المبرر دخل السجن، أقصد كارلوس غصن. هل انحطت قيمة بلادنا إلى هذه الدرجة كي يفرض شخص على أمة قرارا لصالحه هو ولصالح شركة؟ إن قانون الشغل المغربي قانون متحرر وليبرالي ورأسمالي لا يمنع رب العمل نهائيا من صياغة توقيته الخاص بمقاولته، لو أرادت رونو أن تشغل عمالها ابتداء من السادسة صباحا فلن يمنعها أحد، المهم بالنسبة لقانون الشغل هو احترام المدة المتمثلة في 8 ساعات. فكيف يفرض على 40 مليون مغربي الاستيقاظ في ظلام الليل الدامس لإرضاء شركة، وانظر كيف  استمرت ارتجالية الحكومة عندما حاولت التخلص من معضلة توقيت المدارس بإلقاء المسؤولية على كاهل الأكاديميات. إن هذه الارتجالية كانت ظاهرة في تدبير احتجاجات الحسيمة وجرادة.

– بماذا تفسر هذه الإرتجالية؟

– لا أدري، هل الحكومة لا تؤمن بشخصيتها وبموقعها القانوني قبل السياسي؟ فالقانون يمنح للحكومة حقوقا، وكأني بها ترتجل ولا تؤمن بهذا الموقع وتخاف من تحمل مسؤوليتها، الشيء الذي لا يمكن أن يتصور في حكومة عندها حد أدنى من  حظوظ النجاح. أما فيما يخص ملف الأساتذة المتعاقدين فإنني أتساءل بصدده ماذا استفادت الدولة من التعاقد عوض التوظيف؟ هل يتعلق الأمر بمليار أو مليارين توفرهما في الميزانية؟ هل الدولة التي تنفق عشرات الملايير في تفاهات وأشياء ثانوية ستتقاعس عن إنفاق هذه الملايير لإنقاذ أسر وأدمغة. لقد استيقظت الحكومة متأخرة، فالنظام الأمريكي على سبيل المثال لا يعترف بالتوظيف، وأينما عملت في الولايات المتحدة فإنك تشغل بعقدة وأهداف ومدة محددة، إذا حققتها يتم التجديد لك وإلا فلا. ونحن عملنا وفقا للنظام الفرنسي الاتكالي على مدى سنوات والذي يعتبر الشهادة العلمية صالحة مدى الحياة، بينما في الولايات المتحدة لاتوجد شهادة تصلح مدى الحياة فالطبيب على سبيل المثال يمارس مهنته برخصة محددة وعليه اجتياز الاختبارات كل خمس سنوات لتجديدها. وعشنا تحت هذا النظام الفرنسي المبني على الدولة الراعية والحارسة ثم فجأة توجهنا نحو الاقتباس من النظام الأمريكي. لقد بدأ هذا التوجه اليوم بقطاع التعليم وعندما سيتم قبوله فسيتم لا محالة تعميمه على كافة القطاعات. لقد سبق لي قبل سنوات أن ناقشت في الصحافة موضوع توظيف الفنانين وعبرت عن رفضي لهذا المبدأ عندما كان الفنانون والمبدعون يوظفون في التلفزيون أو غيره. وكنت أدافع عن ضرورة تشغيل الفنانين بالعقدة، لكن بالمقابل أرفض أن يتم فرض العقدة على قطاعات حيوية كالتعليم أو الطب أو القضاء.

– على ذكر القضاء، صرح وزير حقوق الإنسان مؤخرا أن المغرب قطع أشواطا بعيدة في ورش استقلالية القضاء ولكن  في يقر الجميع بأن الاستقلالية الكاملة لم تتحقق، ما الذي يؤخر في نظرك أنت الوزير السابق في قطاع العدل، تحقيق هذا الهدف؟

– هذا لعب وتلاعب بالكلام. استقلالية القضاء في المغرب قطعت أشواطا قل نظيرها في العالم، وصدقني لا أعرف دولة على وجه الأرض ينص دستورها صراحة على أن القضاء "سلطة مستقلة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية". لقد كان هذا الأمر من مطالبي والحمد لله تم تحقيقه. لو بقي التنصيص على القضاء على أنه مجرد هيئة فإنه يحتاج دائما إلى يندرج تحت إطار أوسع، وهذا يعني سلطة ما، وبالتالي فسيبقى دائما تابعا للسلطة التشريعية أو التنفيذية. وقد وصلنا إلى تجاوز هذه المسألة، بل إننا ذهبنا بعيدا ووصلنا إلى استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل. هذا يعني أن كل الأسس متوفرة، لكن ماذا يحدث اليوم؟ في رأيي المتواضع، هذا أمر يكاد يكون طبيعيا، فنحن الآن في فترة ميلاد وهذه المؤسسة ضخمة وليست مجرد هيئة صغيرة، أن تستقل هذه المؤسسة بكل قدرها وقيمتها وأن يصبح القضاء مستقلا لا يتحكم فيه أحد أمر ليس بالسهل. فالقضاة الذين علموا اليوم أنهم أصبحوا يمثلون سلطة مستقلة، سيكون رد فعلهم بين اتجاهين. إما أن يكونوا عقلاء والحمد لله هذا هو الغالب، وإما أن يكونوا غير ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى