الرأيسلايدر

سنة جفاف حاد تقتضي التعبئة والثقة والأمل 

بقلم : يونس التايب 
إلا أن يرحمنا الله بمطر كثيف، في الأسابيع القادمة إلى نهاية شهر أبريل، يبدو أننا سنعيش أسوأ سنة جفاف منذ أكثر من عشرين سنة، بشكل سيكون له أثر بالغ على الاحتياطي المائي في السدود، و على النشاط الفلاحي و حجم الإنتاج الزراعي، و على نسبة البطالة في العالم القروي، و نسبة نمو الاقتصاد الوطني، بشكل عام، اعتبارا لما يشكله القطاع الفلاحي من أهمية كبرى.
و نظرا لما نعيشه، منذ سنتين، من وضع اقتصادي دقيق بأثر اجتماعي كبير، بسبب مخلفات أزمة الجائحة الوبائية، نحن مدعوون لأن ننتبه بسرعة إلى خطورة ظاهرة الجفاف هذه السنة، و نتحرك بشكل استباقي لمواجهة خطر جدي يستحق أن نجعله أولوية الأولويات في هذه المرحلة، حتى نعزز قدراتنا على مقاومة آثاره لتحدث أقل ضرر اجتماعي و اقتصادي ممكن، خاصة بالعالم القروي.
في اعتقادي، يتعين الإطلاق الفوري لديناميكية تشخيص مجالي و تخطيط و برمجة، و رصد كل الإمكانيات المتوفرة على مستوى الجماعات الترابية لدعم السكان في المناطق المتضررة، بتنسيق مع القطاعات العمومية المختصة، و التحرك وفق استراتيجيات تنزيل مضبوطة على مستوى الجهات و العمالات و الأقاليم، من أجل :
– تدبير النذرة و بدء ترشيد استهلاك الماء منذ الآن، حتى نتمكن من توفير الماء الصالح للشرب في عدد من المناطق التي ستعرف نقصا حادا بعد أسابيع؛
– توفير الأعلاف للماشية بأثمنة معقولة و توفيرها في نقط توزيع قريبة من المحتاجين لها، خاصة صغار الفلاحين ؛
– إطلاق عملية واسعة لاستيراد ما يلزم من كميات قمح صلب و شعير و درة و قمح رطب من السوق الدولي، مع تنبيه المستوردين إلى ضرورة الحرص على توفر جودة عالية فيما سيتم استيراده. و يجب إطلاق هذه العملية بسرعة قصوى قبل أن تتفاقم بعض التوترات الجارية في العالم توترات، و تؤثر على الأثمان (صراع روسيا/ أوكرانيا، نموذجا)؛
– تتبع السوق الداخلية، و رصد كل الممارسات غير القانونية و الضرب بيد من حديد على تجار الأزمات و المضاربين في الأسعار.
– تفعيل آليات التأمين الفلاحي ضد الجفاف و الكوارث الطبيعية.
من دون شك، الجفاف أصبح معطى هيكليا في بلادنا، و قد حان الوقت لإحداث قطيعة حقيقية مع سلوكات تدبيرية سابقة، و الانتقال إلى ثقافة جديدة للتعاطي مع الماء باعتباره ثروة وطنية و إنسانية مقدسة، يجب استعمالها بأعلى درجات الترشيد، مع تأهيل القوانين لتصبح أكثر صرامة و قابلية للتنفيذ، لكسر عبث العابثين برصيد ثروة سائرة في التآكل.
بصفة عامة، مشاكل الواقع معقدة و هنالك ارتباط بين آثارها، لذلك لا شيء يجب أن يلهينا عن واجب التشخيص و التفاعل باحترافية و نجاعة مع المستجدات، و اعتماد ثقافة الإنصات، و التفكير إلى جانب المواطنين في حلول للمشاكل المستجدة، خاصة تلك التي تعاني منها الفئات الهشة و الطبقة المتوسطة، التي تضررت من أزمة الجائحة، و من غلاء المعيشة و تضخم الأثمنة، و ها هي، الآن، معرضة أكثر لقسوة الطبيعة و أثر الجفاف.
و في ديناميكية التعبئة التي نحن مقبلين عليها، يجب أن نثق في ما راكمته بلادنا من تجارب و خبرات أكيدة في مجال دعم و مواكبة المتضررين من آثار الجفاف، و الثقة بأن ما لدينا من إمكانيات مهمة للتحرك كفيل بالتخفيف عن المتضررين المباشرين من شح المياه. فقط، هذه المرة، نحتاج إلى مقاربة توعوية أكثر قوة و وقع، و إلى هندسة تدبيرية فعالة للأزمة، باعتماد النجاعة و الصرامة و التواصل وفق استراتيجية تعزز رغبة العمل التشاركي و تساهم في رفع وعي الجميع بخطورة أبعاد أزمة المياه و سبل ترشيد الموارد المتوفرة.
أدعو الله أن ينصر الأمة المغربية، قيادة و شعبا، و يعين مؤسسات دولتنا على مواجهة الجفاف عبر خلق ديناميكية ميدانية للتصدي لظاهرة طبيعية اختارتنا، و علينا رفع تحدي مواجهتها و الصمود في وجه آثارها …. لذلك، مهم جدا الإسراع باتخاذ ما ينشر الطمأنينة، و يعزز يقين الناس بأن كل المتعين من خطوات يحتاجها الظرف، سيتم اتخاذها من طرف المصالح العمومية المختصة، بما يعين الناس على الصبر على ابتلاء طبيعي لن يكون هو الأخير في عالم قد دخل مرحلة تغيير مناخي تتآكل معه كل التوازنات الطبيعية.
اللهم اسق عبادك و بهيمتك و انشر رحمتك و أحيي بلدك الميت …
زر الذهاب إلى الأعلى