أخبار الدار

حصيلة زيارة البابا فرانسيس: تعايش، تآزر، أخوة

الدار/ عفراء علوي محمدي

بدأت رحلة البابا فرنسيس عند مغادرته مطار روما فيوميتشينو، صباح أمس السبت، متوجها إلى المغرب في زيارة استغرقت يومان، تلبية لدعوة أمير المؤمنين، الملك محمد السادس.

ورافق البابا فرانسيس في هذه الزيارة وفد رفيع المستوى، يتكون من شخصيات هامة من الكرسي الرسولي، ليساركوا في الزيارة التي تتمحور فعالياتها حول الحوار بين الأديان وقضايا المهاجرين.

استقبال حار

وبمجرد حلوله بالمغرب، وجد بابا الفاتيكان في استقباله الملك محمد السادس، الذي كان مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأمير مولاي رشيد، بينما ازدانت شوارع الرباط بالأعلام الوطنية المغربية وأعلام دولة الفاتيكان.

وبعد تسلمه باقة من الورود من يدي طفلين ترحيبا بقدومه، استعرض البابا تشكيلة من الحرس الملكي أدت التحية، قبل أن يتقدم للسلام عليه أسقف مطرانية الرباط كريستوبال لوبيز.

وتقدم للسلام على البابا فرانسيس كل من رئيس الحكومة، ورئيسا مجلسي النواب والمستشارين، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ومستشارو الملك، ووزير الداخلية، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.

كما تقدم للسلام على رئيس الكنيسة الكاثوليكية، الرئيس الأول لمحكمة النقض، والوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ومدير الكتابة الخاصة للملك، والحاجب الملكي، والناطق الرسمي باسم القصر الملكي مؤرخ المملكة، وعمداء السلك الديبلوماسي المعتمد بالرباط، ورؤساء الكنائس والبيع.

وتقدم للسلام على البابا أيضا، الجنرال دو كور دارمي المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، والجنرال دو كور دارمي قائد الدرك الملكي، والجنرال دو ديفيزيون مفتش القوات الملكية الجوية، والجنرال دو بريكاد مفتش البحرية الملكية، والجنرال دو بريكاد رئيس المكتب الثالث بالقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، والمدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، والمدير العام للدراسات والمستندات.

إثر ذلك، تقدم للسلام على الملك محمد السادس أعضاء الوفد الرسمي المرافق للبابا، قبل أن يلتحق الطرفان بمدخل القاعة الشرفية لمطار الرباط -سلا، حيث قُدم لضيف المملكة التمر والحليب جريا على التقاليد المغربية الأصيلة.

وتحت سماء ماطرة، اتجه البابا والملك محمد السادس في موكب رسمي نحو مسجد حسان، حيث ألقيا خطابا أمام ما يزيد عن 25 شخصا ينتظر حضورهما في ساحة المسجد.

وقبل ذلك، اتجه الملك محمد السادس وبابا الفاتيكان لزيارة ضريح محمد الخامس والحسن الثاني طيب الله ثراهما، وبهذه المناسبة، وضع رئيس الكنيسة الكاثوليكية إكليلين من الزهور على قبري المغفور لهما، قبل أن يوقع على الدفتر الذهبي للضريح، ويتسلم من محافظ الضريح كتابا عن تاريخ الضريح ودرع ضريح محمد الخامس.

رمز للتعايش

وفي خطابه خلال مراسيم الاستقبال الرسمي للبابا، قال الملك محمد السادس إن زيارة هذا الأخير "تأتي في سياق يواجه فيه المجتمع الدولي، كما جميع المؤمنين، تحديات كثيرة، وهي تحديات من نوع جديد، تستمد خطورتها من خيانة الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها، وذلك من خلال الانسياق وراء سياسة رفض الآخر، فضلا عن أطروحات دنيئة أخرى".

وزاد الملك "وفي عالم يبحث عن مرجعياته وثوابته، حرصت المملكة المغربية على الجهر والتشبث الدائم بروابط الأخوة، التي تجمع أبناء إبراهيم عليه السلام، كركيزة أساسية للحضارة المغربية، الغنية بتعدد وتنوع مكوناتها"، مؤكدا على أن "التلاحم الذي يجمع بين المغاربة، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم، نموذجا ساطعا في هذا المجال. فهذا التلاحم هو واقع يومي في المغرب. وهو ما يتجلى في المساجد والكنائس والبيع، التي ما فتئت تجاور بعضها البعض في مدن المملكة".

وشدد الملك على أن "التطرف، سواء كان دينيا أو غير ذلك، مصدره انعدام التعارف المتبادل، والجهل بالآخر، بل الجهل، وكفى. ذلك أن التعارف المتبادل يعني رفض التطرف، بكل أشكاله؛ وهو السبيل لرفع تحديات هذا العصر المضطرب".

من جانبه، وجه البابا فرانسيس، جملة من الرسائل في الخطاب الذي ألقاه خلال استقباله من طرف الملك محمد السادس بالرباط، اليوم السبت.

وقال البابا في خطابه أمام الحضور الغفير: "يسرني أن تطأ قدماي أرض هذا البلد، الغني بالجمال الطبيعي، الحارس لبصمات حضارات عريقة والشاهد على تاريخ مدهش. أود قبل كل شيء أن أعبر عن امتناني الصادق والودي للملك محمد السادس على دعوته الكريمة، وعلى الاستقبال الحار الذي خصني به، باسم الشعب المغربي كله، وأشكره بنوع خاص على الكلمات الطيبة التي وجهها لي".

وزار البابا والعاهل المغربي، بعد خطابهما، المعهد الملكي لتكوين الأئمة والمرشدين المتواجد بمدينة العرفان، وهو المعد الذي عرف بمحاربة خطب التطرف الديني من خلال منهج "الوسطية والاعتدال" الذي يتبناه الخطاب الديني الرسمي بالمغرب.

واستمع البابا والملك محمد السادس عند حلولهما بالمعهد لكلمتين يلقيهما طالبان، أحدهما من إفريقيا والثاني من أوروبا، كما استمعا لكلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، من دون أن يتوجها للحاضرين بأي خطاب، ليفسحا المجال لمجموعة من الفنانين والموسيقيين لتقديم لوحة فنية مستوحاة من الديانات التوحيدية الثلاث.

نداء القدس

وبعد ذلك، دعا البابا فرنسيس والملك محمد السادس، مساء أمس السبت، إلى الحفاظ على القدس كـ"تراث مشترك" للديانات التوحيدية الثلاث، وذلك في وثيقة مشتركة وقعا عليها، وسموها بـ"نداء القدس"، الذي  يروم المحافظة والنهوض بالطابع الخاص للقدس كمدينة متعددة الأديان، والبعد الروحي والهوية الفريدة للمدينة المقدسة.

وقال النداء، الذي وقعه الجانبان بقاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط "نعتقد أنه من المهم الحفاظ على مدينة القدس الشريف ثراثا إنسانيا مشتركا، وخصوصا لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث"، داعيا إلى حماية "الطابع الخاص المتعدد الأديان والبعد الروحي والهوية الثقافية الخاصة للقدس".

وأجرى أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، أمس السبت بالقصر الملكي بالرباط، مباحثات ثنائية الجانب، وعلى انفراد مع بابا الفاتيكان، التي تبادلا، في ختامها، هدايا رمزية.

وفي مساء أمس، أقام الملك محمد السادس، بقصر الضيافة بالرباط، مأدبة عشاء رسمية على شرف الوفد المرافق لقداسة البابا فرانسيس، ترأسها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بحضور رئيسا غرفتي البرلمان، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ومستشارو الملك، ووزير الداخلية، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وممثلو السلك الدبلوماسي المعتمد بالمغرب.

وفي اليوم الموالي، أي يوم الأحد 31 مارس 2019 بالرباط، رجال الدين المسيحيين ومجلس سكن الكنيسة بكاتدرائية القديس بطرس، وذلك في إطار الزيارة التي يقوم بها للمغرب بدعوة أمير المؤمنين، الملك محمد السادس.

وفي بداية هذا اللقاء، حيى البابا فرانسيس بحرارة الراهب جون بيير شوماخر، آخر الناجين من حادث مقتل رهبان دير تيبحيرين بالجزائر، والذي يقطن حاليا بدير "سيدة الأطلس" بمدينة ميدلت، وقبل كل منهما يد الآخر، وسط تصفيقات الحضور.

وبعد الاستماع لشهادتين لكاهن "الأب جرمان" وراهبة "الأخت ماري"، ألقى البابا فرانسيس كلمة أشاد فيها بتوفر الأجواء المناسبة بالمغرب للمسيحين من أجل ممارسة شعائرهم في أفضل الظروف، وهو ما من شأنه تعزيز الحوار والتعاون والصداقة، بين المسلمين والمسيحيين، داعيا من جهة أخرى إلى نبذ الحقد والنزاع، لكونهما يشكلان تهديدا للاستقرار.

لا للتبشير

واعتبر البابا أنه يمكن ضمان استمرار الحوار باسم "الأخوة الإنسانية التي تجمع البشر جميعا، وتوحدهم وتنشر المساواة بينهم، رغم سياسات التعصب والتفرقة، التي تعبث بمصائر الشعوب، وليس بالعنف والحقد والهيمنة العرقية والدينية والاقتصادية"، مسلطا الضوء على أهمية الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين لتقوية ثقافة اللقاء والتعايش والأخوة.

على إثر ذلك، حذر البابا فرنسيس، مسيحيي المغرب من القيام بأية أنشطة تبشيرية، أثناء خطاب ألقاه في كاتدرائية الرباط، ضمن فعاليات اليوم الثاني لزيارته المملكة بدعوة من الملك محمد السادس.

وقال البابا متوجها إلى الحاضرين في هذه الكاتدرائية الواقعة وسط العاصمة الرباط "إن دروب الرسالة لا تمر من خلال أنشطة التبشير التي تقود دوما إلى طريق مسدود".

وخرج عن نص خطابه المكتوب ليؤكد "رجاء لا تبشير!"، مذكرا الحاضرين أن "رسالتنا كمعمدين وكهنة ومكرسين لا يحددها بشكل خاص العدد أو المساحة التي نشغلها".

وخصص اليوم الثاني للقاء الأقلية المسيحية بالمغرب حيث يترأس قداسا ضخما شارك فيه آلاف الأشخاص.

حضور غفير

كما ترأس البابا فرانسيس، بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، حفلا دينيا حضره حوالي 10 آلاف مسيحي، من أصل 30 و35 ألف مسيحي يقيم بالمغرب، نصفهم من مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء، وهم الذين أتوا إلى المغرب للعمل أو الدراسة أو محاولة العبور نحو أوروبا، بحسب ما ذكرت بيانات حديثة.

و قام البابا فرنسيس، بعد ذلك، بزيارة جمعية خيرية تديرها راهبات ومتطوعات على بعد قرابة 20 كيلومترا جنوب العاصمة الرباط، وحيا أطفالا يتابعون علاجا في مركز صحي بهذه الجمعية.

والتقى البابا، الذي كان مرفوقا بوفد هام يتألف من شخصيات مرموقة من الفاتيكان، وسفير الفاتيكان بالرباط المونسينيور فيتو رالو، بعدد من الأطفال في وضعية إعاقة، كما استمع إلى شهادات أولويائهم الذين أعربوا عن امتنانهم للراهبات اللائي يدرن المركز.

وفي زيارته للمركز القروي للأعمال الاجتماعية بتمارة، التقى البابا فرانسيس بعدد من أعضاء ومتطوعي المركز القروي للأعمال الاجتماعية الواقع بالجماعة القروية مرس الخير.

ويفتح المركز القروي أبوابه في وجه كل من يرغب في القيام بأعمال تطوعية، كما أن العديد من الممرضات والأطباء يقدمون خدماتهم في مجال الرعاية الصحية مجانا بالمركز، الذي يشكل مثالا ملموسا لقيم الانفتاح والحوار والتسامح.

ولدى وصوله إلى المركز، الذي تشرف على تسييره راهبات من إسبانيا، استقبل البابا فرانسيس من طرف عامل عمالة الصخيرات -تمارة السيد يوسف اضريس، قبل أن يطلع قداسته على الأعمال الخيرية والتطوعية للمركز، والتي تشمل تقديم خدمات الرعاية الصحية ودروس محو الأمية للأطفال والبالغين.

وفي ختام هذه الزيارة، قدم البابا فرانسيس للمركز "أيقونة دينية منحوتة للعائلة المقدسة"، كما تلقى عدة هدايا عبارة عن مجموعة من أعمال الطرز المغربي مقدمة من طرف مسؤولي المركز.

وفي تمام الساعة الخامسة مساء، غادر البابا فرانسيس المغرب، في ختام زيارته الرسمية، وتكلف بتوديعه رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني.

المصدر: وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى