لغات التدريس حصان طروادة جديد لإنقاذ مستقبل”البيجيدي”
الدار/ رشيد عفيف
حزب العدالة والتنمية يدرك أنه خسر الشيء الكثير من رصيد شعبيته ومرجعيته في التجربتين الحكوميتين اللتين قادهما ولا يزال. ويدرك أكثر أن الولاية الحكومية الحالية التي يرأسها الأمين العام سعد الدين العثماني قد تكون فرصة أخيرة لإثبات الذات والحفاظ على جزء ولو يسير من الحظوظ للانتخابات التشريعية المرتقبة في 2021، وقد تكون مناسبة لاستنزاف الحزب وإنهاكه أمام اختبارات التدبير والملفات الساخنة. ومن بين هذه الملفات الساخنة التي تضع الحزب أمام هذين الاحتمالين ملف إصلاح التعليم وبالضبط صيغة القانون القانون الإطار للتعليم ولغة التدريس.
في هذا السياق تأتي المناورة الأخيرة التي يقودها الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، والذي يتأكد باستمرار أنه لا يزال هو الأمين العام الفعلي، وهي المناورة التي جاءت في الوقت الميت قبيل التصويت النهائي على القانون الجديد لتربك حسابات الحكومة وتضع العثماني وبرلمانيي الحزب أمام إحراج مباشر مع قواعدهم وأمام الرأي العام. فمطالبة عبد الإله بنكيران في آخر اللحظات بالتراجع عن التوافق حول القانون وبالضبط فيما يخص نقطة التدريس باللغات الأجنبية ودعوته البرلمانيين إلى "تحمل مسؤوليتهم التاريخية فيما يتعلق بالنقاش الجاري حول القانون الإطار المتعلق بالتعليم، حتى لو أدى الأمر إلى سقوط البرلمان وسقوط الحكومة"، هي في الحقيقة محاولة يائسة لإنقاذ ماء وجه الحزب الذي أهرق منه الكثير في التجربتين الحكوميتين.
هناك نقاط خلافية أكثر حساسية من قضية لغات التدريس في القانون الإطار وأخطرها النقطة المتعلقة بإقرار نهاية مجانية التعليم والتنصيص على مسألة المساهمة المالية للأسر في تمويل تدريس أبنائهم خصوصا في الثانوي والتعليم العالي. هذه النقطة التي تستفز المواطنين من الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى ليست مثار اهتمام لدى عبد الإله بنكيران أو حتى برلمانيي الحزب وهي أقل أهمية من قضية اللغات. هذا يعكس الرصيد السياسي التاريخي للحزب الإسلامي الذي تعتبر قضايا الهوية حصان طروادة بالنسبة له حتى ولو تم توظيفها في اللحظات الأخيرة. فقد تم التوافق في الأسبوع الماضي على صيغة نهائية للقانون تنص على تدريس بعض المواد باللغات الأجنبية وكان برلمانيو الحزب قد أعلنوا عن هذا التوافق وكان الجميع ينتظر فقط اجتماع البرلمان للتصويت بإيجابية.
لقد وردت في خرجة بنكيران الأخيرة إشارة تاريخية مهمة تؤكد أن الأمر يتعلق بمصلحة الحزب ومستقبله أكثر من مصلحة المنظومة التربوية. أشار عبد الإله بنكيران إلى دور حزب الاستقلال في مشروع تعريب التعليم بعد الاستقلال مقارنا هذا الدور بما يمكن أن يلعبه حزب العدالة والتنمية من دور في فرنسة التعليم. وهنا يظهر أن القضية تخرج من إطارها الوطني إلى إطار حزبي ضيق يراعي فيه الفرقاء الحسابات السياسية والانتخابية الضيقة. وفي هذا الإطار يجب أن لا ننسى أن الجدل المثار حول قوانين لغات التدريس يأتي في ظرفية سياسية متوترة تمر فيه العلاقات بين قطبي التحالف الحكومي حزب التجمع الوطني للأحرار والبيجيدي بأسوأ أيامها منذ البلوكاج الحكومي الشهير. قبل أشهر قليلة التهب التراشق الكلامي بين الحزبين وقياداتهما إلى مستوى غير مسبوق بمساهمة من رئيس الحكومة المتقاعد عبد الإله بنكيران ووزير الفلاحة عزيز أخنوش.
لكن لا بد من الاعتراف بأن الخرجة البنكيرانية الجديدة وإخراجها الإعلامي كان محبوكا. فمن الصعب التصديق بأن ما تم كان خارج التوافق بين قيادة الحزب الرسمية وقيادته الفعلية. من الواضح أن سعد الدين العثماني يستغيث ببنكيران والمقرئ الإدريسي أبو زيد من أجل قيادة هذا التمرد وإنقاذ الحزب من التورط في إجراء يأخذ طابعا تاريخيا ويمكن أن يؤدي إلى نزيف حاد لدى قاعدة الحزب سواء من المنخرطين أو المتعاطفين الذين من الطبيعي أن يعلنوا استغرابهم من مصادقة حزب إسلامي على فرنسة التعليم. من الضروري أن نذكر هنا بأن حزب العدالة والتنمية اعتمد بالأساس في الانتخابات التشريعية الأخيرة على هذه القاعدة الانتخابية القارة من أجل الحصول على المرتبة الأولى وليس على قاعدة عموم الناخبين. الحزب يعلم اليوم أنه أصبح تحت رحمة هذه الشريحة الملتزمة التي تجري وراء الحزب إيمانا بمبادئه وتصديقا لأفكاره ومرجعيته. ومن الطبيعي أن يتم توزيع الأدوار في مناورة الرمق الأخير هذه بين بنكيران المتحرر من قيود المسؤولية الحكومية وبين بعض البرلمانيين المحسوبين عليه تفاديا لوضع العثماني ووزرائه في فوهة المدفع.