الدين والحياةسلايدر

إسلاميات.. الاستنجاد بالخطاب الدعوي عند الإسلاموية المغربية بعد منعطف 2021

منتصر حمادة

لم يستوعب إخوان المغرب بعد تبعات الهزيمة الانتخابية التي تعرضوا في تشريعات 9 سبتمبر 2021، خاصة أن أسبابها مركبة ومتعددة، وفي مقدمتها نتائج توظيف الخطاب الدعوي في العمل السياسي، وهو التوظيف الذي كان في مرحلة سابقة نقطة قوتهم، قبل وبعد أحداث “الفوضى الخلاقة” [2011 ــ 2013]، إلا أن سقوط الحزب والحركة التي تعتبر نواته التنظيمية الصلبة، في مجموعة من التناقضات بين الخطاب والممارسة، كانت في مقدمة أسباب الهزيمة سالفة الذكر، والتي أشرت على أفول نسبي للإسلاموية في المغرب.
في هذا السياق، وعوض فتح أبواب النقد الذاتي وتقييم أسباب الهزيمة الانتخابية التي جعلت الحزب ينتقل من الرتبة الأولى إلى الرتبة الثامنة، انخرط أمين عام الحزب في العودة لماضي الخطاب الدعوي، كأنه يصرف النظر عن تبعات تلك المرحلة على المشروع.
جاء ذلك في عدة محطات، منها شروع عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، وأحد رموز المشروع الذي يضم حركة “التوحيد والإصلاح” والحزب، في نشر حلقات دينية مصورة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قائلاً أن هذه التسجيلات “لا علاقة لها بما كنت أنشره سابقاً، تفاعلاً مع الأحداث السياسية، وسأتفاعل مع كتاب الله وسنة رسول الله، ومع بعض ما تركه لنا السلف الصالح”، خاصة أنه “توجد أمور تستوقفني ولها معان كبيرة، وتجيب عن إشكالات تعترض حياتي، سأنشرها لعلها تفيد الناس”، حسب ما جاء في مضامين الحلقة الأولى من السلسلة، تحت اسم “آية استوقفتني”، وبثها يوم الجمعة 18 مارس 2022.
أسبوعان قبل هذه المبادرة، ألقى المسؤول نفسه، وهو رئيس الحكومة السابق أيضاً، مداخلة يوم السبت 5 مارس الجاري على هامش خلال اجتماع مع أعضاء الأمانة العامة للحزب، كانت تدور في فلك الخطاب الوعظي والشأن التربوي، حتى إن اللقاء افتتحه قيادي آخر في الحزب، عبد العالي حامي الدين، عبر قراءة آيات قرآنية، وهذه أمور كانت غائبة كلياً في فترة قيادة الحكومة المغربية، طيلة عشر سنوات، أي تنظيم لقاءات دعوية ووعظية، بسبب غَلَبة الهواجس السياسية والتنظيمية على الهواجس الدعوية والتربوية، والتي كانت أحد أهم أسباب انتشار الإسلاموية في الساحة المغربية، وكذلك بسبب رغبة أعضاء المشروع في أبعاد تهمة توظيف الخطاب الديني في العمل السياسي والانتخابي، مع أن هذا واقع لا يرتفع مع أداء النواة التنظيمية الصلبة للحزب، أي حركة “التوحيد والإصلاح”، ومع فروعه الطلابية والنسائية والإعلامية والنقابية وغيرها.
تفاعلاً مع هذه الخرجات الدعوية، اعتبر أحد قيادات الحزب، وكيل لائحة الحزب في طنجة، محمد أمحجور، أن “المطلوب اليوم من الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، هو أن يشتغل أكثر بمعالجة القضايا والإشكالات الاستراتيجية التي تخص الحزب، وأن يطلق ورش التفاكر والتشاور في ماضي الحزب وحاضره ومستقبله، كما أن المطلوب منه أيضاً، وهو يقود حزباً كبيراً أمضى عشر سنوات في تدبير الشأن العام وراكم تجارب وخبرات واسعة وكبيرة، أن يشتغل أكثر بهموم الوطن والمواطنين وأن يدبر بشكل أفضل أدوار الحزب السياسية من موقع المعارضة بقواعد السياسة لا بتشوفات وفتوحات الأمين العام مع وحي السماء”.
الأمر نفسه مع دلالة مشاركة الأمين العام الموالي، وهو رئيس الحكومة السابق، في ندوة من تنظيم حركة “التوحيد والإصلاح” بعنوان “آيات القتال في القران.. نحو قراءة مقاصدية”، نظمت يوم السبت 26 مارس 2022 من تنظيم “منتدى الريسوني للحوار العلمي” [الريسوني هنا إحالة على الداعية والباحث الإخواني أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة “التوحيد والإصلاح” والرئيس الحالي لتنظيم إخواني دولي، يُصطلح عليه “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وهو اتحاد لا يُمثل إلا نفسه، لأنه لكل دولة مؤسساتها الدينية].
من باب التذكير، أوضح العثماني أن “آيات القتال، وهي 30 آية، خاصة بمن وجهت إليهم”، مضيفاً أن “سوء فهم الكثير من آيات القتال منتشر بين الشباب، حيث اغتر بعضهم بآيات القتال في سورة التوبة وأخذها على حرفيتها، والراجح انها آيات خاصة بالصحابة”، وأن “سوء فهم عدد من آيات القتال أحد مداخل التشدد والتطرف، والتوظيف السلبي لاجتهادات فقهية رائجة، وأحياناً بعض الفهم كان سببا في سفك دماء مسلمين”.
كأن الأمر يتعلق بعودة ثنائية السياسي ــ الدعوي في الخطاب السياسي والديني لثنائية الحركة ـ الحزب، بينما عاين الرأي العام في المغرب، وكذلك في تونس وفرنسا خلال سنة 2017 بالتحديد، انخراط العديد من أقلام هذا الثلاثي في نشر مقالات تدعو إلى فصل الدعوي عن السياسي، وهو الخطاب الذي لم يظفر بوجاهة لدى أتباع المشروع أو لدى المتتبعين، خاصة أن ما يُميز هذا النموذج من الإسلاموية هو ذلك الجمع بين الدعوي والسياسي، وجاءت نتائج تشريعيات سبتمبر الماضي لتكشف عن عودة المشروع لتقويض الخطاب نفسه الذي كان يُروج له إلى غاية بضع سنوات مضت.
تفاعلاً مع هذا المستجد، اعتبر الباحث عبد الهادي المهادي، وهو باحث متتبع لأداء إسلاميي المغرب على الخصوص، أن “الكثير من الإسلاميين، تحت دعاوى المراجعات وإعادة النظر في بعض المُسلّمات التي بدت لهم ـ وهم وسط الشعور بنشوة ما اعتبروه انتصارات، أو تحت ضغط الفاعلين العلمانيين ـ بدت لهم عائقاً أمام تطور الفكر والتجربة السياسيين الإسلاميين، فعملوا على إعادة ترتيب العلاقة بين الدّعوي والسياسي؛ فكراً وممارسةً؛ إبعاداً للدعوي بالمرّة، أو تَخصصاً وتوزيعاً للأدوار”، لولا أن “النصر في الأخير كان دائماً لما هو سياسي، وضموراً كاملاً للدّعوي. وقد علا صوتهم حينها بالدفاع عن اختيارهم الجديد، والنّقد الشديد لإخوانهم الذين أصرّوا على الاحتفاظ بوظيفتهم الأساسية التي من أجلها اجتمعوا؛ أي الأساس التربوي والمنزع الدّعوي”، ويقصد بالإخوان الآخرين هنا جماعة “العدل والإحسان” المحظورة، والتي اشتهرت بتوظيف الخطاب الصوفي في خطابها السياسي ومشروعها الإيديولوجي.
ولا يقتصر الأمر على الخرجات الدعوية الجديدة للأمين العام، بل نظم فرع العاصمة الرباط لحركة “التوحيد والإصلاح” ندوة تحت عنوان: “الدكتور فريد الأنصاري: العالم الرباني والمربي والأديب”، بمشاركة مجموعة من الباحثين، وذلك يوم السبت 19 مارس 2022، والحال أن فريد الأنصاري هو نفسه القيادي انفصل عن الحركة نفسها منذ عقدين تقريباً، وألف ثلاثية نقدية ضد مشروعها، محذراً حينها بأن مشروع إخوان المغرب مصيره الفشل، والحديث عن كتبه التي تحمل عنوان “البيان الدعوي”، وتضمن انتقادات نظرية إلى حركة “التوحيد والإصلاح” وجماعة “العدل والإحسان”، ثم كتاب “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية في المغرب: انحراف استصنامي في التصور والممارسة”، مع عنوان فرعي جاء فيه: “حقائق تاريخية ومقولات نقدية تنشر لأول مرة”، وهو الكتاب الذي تعرض الأنصاري بسببه لعدة انتقادات علنية وفي الكواليس، بما في مقال نقدي للداعية الإخواني أحمد الريسوني، الرئيس السابق للحركة، والذي أصبح لاحقاً موظفاً لدى اتحاد إخواني إقليمي يحمل إسم “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وأخيراً، كتاب “الفطرية: بعثة التجديد المقبلة”، وتدور فكرة الكتاب الأساسية، حول ضرورة انتقال المشروع الإسلاموي من أفقه الإيديولوجي الضيق نحو رحابة القيم الإسلامية الفطري، لولا أن هذه الدعوات والتحذيرات قوبلت بالتجاهل عند البعض أو النقد والتحامل عند البعض الآخر، بما في ذلك العديد من قيادات الحركة والحزب.
عندما نشر الأنصاري هذه الأعمال، لم يوصف بأنه “العالم الرباني والمربي والأديب”، بل تعرض لحملات نقدية، لأنه توقع نكسة المشروع الإخواني سنوات قبل أحداث “الفوضى الخلاقة”، واليوم تعود الحركة لأعماله في إطار البحث عن مخارج نظرية لمواجهة آثار النكسة التنظيمية التي تعرض لها المشروع برمته، وعلى كافة الجبهات، الدعوية والإعلامية والطلابية والنقابية والسياسية وغيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى