بقلم : يونس التايب
هنيئا لأبناء الأمة المغربية بعيد الفطر السعيد و ما منحنا إياه، منذ يوم أمس، من أحاسيس جميلة و روح إيجابية عكستها ابتسامات الناس في الطرقات إلى المصليات، ذهابا و إيابا، و في الأحاديث و اللقاءات بين الجيران و الأصدقاء…
شخصيا، لمست لدى عدد كبير من الناس وعيا حقيقيا بأن رمضان، هذه السنة، أتى في ظرف اقتصادي صعب و في سياق دولي محفوف بالمخاطر و الإكراهات، و رغم ذلك استطاعت بلادنا، بتعاون كل فئات الشعب و فعالياته، تحقيق نجاح جماعي في جعل شهر رمضان الأبرك، يمر في جو طيب، دون تسجيل مشاكل كبرى رغم ثقل الظروف الموضوعية التي ارتبطت بمشكل الغلاء و قلق المواطنين من أثر الجفاف.
لذلك، أعتقد أن علينا واجب شكر الفاعلين العموميين الذين سهروا، خلال شهر رمضان، على استتباب الأمن و الطمأنينة و حسن تنظيم الفضاء العام، و استمرار التموين الطبيعي للأسواق المغربية بالخضر و المواد الغذائية، مع بذل جهود لمحاصرة ارتفاع الأسعار أكثر من المعقول، و النجاح في تحجيم الارتفاعات التي تمت بشكل غير مقبول. و أظن أنه، رغم ارتفاع ثمن بعض المواد، دون قدرة أية جهة على منع ذلك (مثال، زيت المائدة و وقود السيارات)، إلا أن الأمور ظلت على العموم، مضبوطة و لم يخرج شيء عن السيطرة أو يتجاوز قدرة بلادنا على تدبيره.
و من دون شك، تلك الروح الإيجابية التي تجلت مع حلول يوم العيد، هي نتيجة أسباب عديدة و عوامل مساعدة، منها استمرار مبادرات الإحسان و التطوع و تكاثف عمليات التضامن المجتمعية خلال الشهر الفضيل، و صمود قيم التآزر العائلي في مجتمعنا أمام زحف الفردانية، و انتعاش الدورة التجارية في الأسواق المغربية، و استئناف النشاط الفلاحي في العالم القروي بعد الأمطار التي تساقطت في شهري مارس و أبريل. مما جعل الأمل يصمد أمام عوامل اليأس و الإحباط، و يحد من أثر أسباب قلق الناس، و يعزز قدرة المجتمع على مواجهة الظرف الاجتماعي الدقيق.
من جهة أخرى، تميز رمضان لهذه السنة بعودة الأجواء الروحانية في مساجد المملكة، التي عادت لتفتح أبوابها بأمر من أمير المؤمنين أعزه الله، الشيء الذي كان له وقع نفسي إيجابي كبير، حيث أقيمت الصلوات و تم تنظيم صلاة التراويح بشكل جيد و إقبال خاشع من أبناء الأمة المغربية، بعد سنتين كاملتين منعتنا خلالهما جائحة كورونا من تخليد الشهر الفضيل بما يليق به من شعائر و عبادات.
مما لاشك فيه، أن ما أبان عنه أبناء شعبنا و جسدوه من سلوك وطني صادق و روح تضامنية عالية، خلال الشهر الفضيل، أعاننا على ضبط السجالات التي حدثت و تدبير الاختلافات في وجهات النظر بشكل راقي و روح مواطنة مسؤولة. في نفس السياق، لابد أن نسجل بتقدير، كل الجهود التي بذلها فاعلون عموميون، بروح المسؤولية، لمحاصرة الصعوبات الاجتماعية التي أثقلت كاهل الطبقات المتوسطة و الفئات الهشة، و منع الوضع من أن يتدهور و يكون أثره أكثر إيلاما و ضغطا على المستوى المعيشي للأسر، بسبب غلاء الأسعار الذي تعاني منه بلادنا كما يعاني منه الاقتصاد العالمي.
لذلك، يبقى هذا الوطن رائعا بكل ما فيه، و يظل الشعب المغربي أصيلا و طيبا، صبورا و متضامنا، وطنيا و فخورا بانتمائه. و بالتأكيد ستستمر تمغرابيت جميلة بكل تجلياتها الحضارية المتعددة الروافد، إذا حرصنا على القيم الوطنية و الأخلاقية و المجتمعية التي تتشكل منها أصالتنا المغربية، و يلتحم عبرها أبناء الشعب حول ثوابت الأمة المغربية.
و لعل الحكمة، هي أن تستمر جهودنا لتعزيز البناء المؤسساتي و تقوية الرصيد التنموي الوطني، عبر إبداع سياسات عمومية نوعية و ناجعة، و هندسة حلول لتدبير مشاكل واقعنا ببعد استراتيجي يمكننا من استيعاب ضربات واقع دولي معقد، و التغلب على إكراهات سياق جيوستراتيجي خاص، و تعزيز التنافسية الاقتصادية لبلادنا و استدامة حكامة التدبير العمومي في كل المجالات، و الثقة في قدرة المغاربة على تحقيق الأفضل و التقدم أكثر نحو معاصرة هادفة و منسجمة مع قيمنا الأصيلة.
بتلك الروح يمكن أن نتجاوز نقط ضعف و نقائص نعرفها، و نعزز مقومات قوتنا كي ينجح الصمود الحضاري للأمة المغربية، و ينتصر الوطن و يرتقي أبناءه فيه و من خلاله.
مبروك عيدكم … و حفظ الله المغرب و أبناءه، و وفقنا لما فيه الخير و خدمة مصالح وطننا و مواطنينا، لأن مسؤوليتنا هي أن يبقى المغرب عزيزا و متضامنا، شامخا و كبيرا على العابثين.