زيارة محمد بن زايد إلى موسكو.. الخيارات المستقلة للإمارات تراهن على إسماع صوت العقل والحكمة
الدار/ تحليل
تحتل الزيارة التي يقوم بها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا أهمية تاريخية بالنظر إلى أنها تأتي في سياق جد حساس تمرّ به الأزمة الأوكرانية، بعد تزايد التصعيد العسكري المتبادل بين الطرفين وبلوغه مستويات قياسية من العدوانية والدمار على المستوى الإنساني والبنيات التحتية. وعلى الرغم من أن هذه الزيارة كانت مقررة سلفا في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين إلا أنها تمثل محطة دبلوماسية جد هامة في الوقت الذي يصر فيه القادة الغربيون على تضييق هوامش الاتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بينما تتواصل عمليات الحشد العسكري والتهديدات الروسية بقطع إمدادات الغاز عن أوربا الغربية.
ولعلّ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يمثل في الوقت الراهن أكثر الوسطاء موثوقية في الساحة الدولية بالنظر إلى أن أبو ظبي اتخذت منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية موقفا واضحا وصريحا كانت تحرص فيه بالأساس على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الخاصة، مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية القضية الإنسانية حيث أكدت في بيان أمام مجلس الأمن منذ شهر مارس الماضي، على “أهمية العمل على التوصل لوقف إطلاق نار فوري، والسعي لإيجاد حلول سلمية، بما يخدم الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين”. لا تبحث الإمارات العربية المتحدة في هذه الحرب عن الاصطفاف إلى جانب طرف ضد آخر، بقدر ما تسعى بالأساس إلى التخفيف من الكلفة الإنسانية لهذه الحرب المدمرة.
وفي هذا السياق تؤكد وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية أن زيارة رئيس دولة الإمارات إلى روسيا “تأتي في إطار سعي دولة الإمارات المستمر للإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، وتعزيز التعاون المثمر والبنّاء مع القوى الإقليمية والدولية، والتواصل مع كافة الأطراف المعنية في الأزمة بأوكرانيا للمساعدة في التوصل إلى حلول سياسية فاعلة”. لكن الأهم في الموقف الإماراتي هو ذلك المبدأ المقدس الذي لطالما عملت أبو ظبي على ترسيخه والدفاع عنه فيما يتعلق بتدبير الأزمات الدولية. فبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة فإن الأزمة الأوكرانية كغيرها من بؤر التوتر المنتشرة عبر العالم لا يمكن حلحلتها إلا عبر “الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي”.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الزيارة في السياق الحالي الذي يشهد تصعيدا عسكريا غير مسبوق من طرفي الحرب، حيث عمدت روسيا إلى غارات صاروخية انتقامية طالت العاصمة الأوكرانية كييف وتسببت في مقتل العشرات، وذلك عقب تفجير الجسر البري الرابط بين روسيا وجزيرة القرم التي ضمتها موسكو منذ 2014. وفي مثل هذه الظروف الدموية التي يروح ضحيتها المدنيون، يعتبر صوت السلام الإماراتي مبادرة ضرورية للتخفيف من كل خطابات التصعيد والتحدي المتبادلة بين موسكو وبين الدول الغربية. وفي الوقت الذي تقدم فيه أبو ظبي الكثير من المبادرات الإنسانية على مستوى المساعدات الطبية أو الغذائية لضحايا هذه الحرب، فإن “الخيارات المستقلة” للبلاد، كما وصفتها وزارة الشؤون الخارجية، تأكيد على أنها خطّت لنفسها مسارها الدبلوماسي الخاص الذي لا يرتهن لحسابات الحلفاء والأصدقاء.
تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجيتها الخاصة والمستقلة فيما يتعلق بتدبير علاقاتها الخارجية، وإذا كانت الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن تحاول حشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الزاوية، وإظهاره بمظهر الرئيس المعزول دبلوماسيا ودوليا، فإن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تعبير عن روح المبادرة والفعل الإيجابيين، في الوقت الذي يدير فيه جلّ قادة دول العالم، وخصوصا المعنيين بهذه الحرب، وجوههم ويصمّون آذانهم عمّا يجري على أرض الميدان، بينما لا يزال العالم بأسره يدفع ثمن هذه الحرب من الكلفة الاقتصادية والطاقية، وينتظر سماع صوت الحوار والعقل.