بقلم : يونس التايب
ما من شك في أن القرار 2654 الذي أصدره مجلس الأمن في موضوع الصحراء المغربية، يعزز مكتسبات بلادنا في مسارها الديبلوماسي دفاعا عن قضيتنا الوطنية الأولى، و يعيد التأكيد على المبادئ الأساسية التي يعتبرها المغرب السبيل الأوحد لحل النزاع المفتعل بشأن وحدتنا الترابية.
و من خلال التمعن في المصوتين و اختياراتهم، يتبين أن القرار الأممي يحمل إشارات تستحق وقفة الاعتزاز بما حققته الديبلوماسية الوطنية، و الأمل بمكتسبات جديدة قادمة في الأفق. أقصد، هنا، التصويت على القرار بالإيجاب من طرف دول مهمة في الساحة الديبلوماسية الدولية، و مهمة جدا في الفضاءات الجيوسياسية الجهوية التي توجد فيها، و هي المكسيك و غانا و الصين.
إذا كان للصين موقفها الثابت في مسألة الوحدة الترابية للدول، فإن نهجها الديبلوماسي تجاه المغرب يؤكد رسوخ الموقف الصيني المدعم للمقترح المغربي، و صدق إرادة بيكين في بناء شراكة استراتيجية بين بلدينا، تتيح مشاريع كبيرة ومبادرات متميزة في المجال الاقتصادي. أما بالنسبة للمكسيك و غانا، فهما دولتان هامتان، كانت لهما في السابق مواقف متذبذبة بضغط من بروباغندا الكيان الوهمي الانفصالي. و لأن الزمن كشاف للحقائق و فاصل بين المشروعية و بين العبث، يبدو أن قيادات البلدين سائرة نحو إعادة تقييم شامل للموقف، و قد يتم الإعلان، قريبا جدا، عن الانحياز للشرعية التاريخية و دعم واضح للمقترح المغربي باعتباره الحل الوحيد القابل للتنفيذ و القادر على تعزيز السلام و الأمن و التنمية.
أما موقف الحياد الذي اتخذته روسيا، فهو عادي وطبيعي جدا في السياق الحالي. بل، يمكن قراءة موقف موسكو بشكل إيجابي لأنه يؤكد استمرار الحرص الروسي على توازن حضوره في الفضاء المغاربي، و على بناء علاقات متينة و متعددة المحاور مع المملكة المغربية.
نفس الشيء بالنسبة لموقف الحياد الذي اتخذته دولة كينيا، البلد الذي يعيش مرحلة انتقالية و صراعا خفيا بين إرادة جيل قديم من السياسيين الذين قضوا سنوات و هم ينتفعون من عائدات الديبلوماسية التحريضية التي يمولها خصوم الوحدة الترابية للمغرب، و بين إرادة جديدة و قناعة جادة يحملها الرئيس الكيني، المنتخب قبل أسابيع، الذي يحتاج بعض الوقت كي يرتب الأمور بشكل رصين، بعيدا عن تجاذبات أطراف ينتظر منها أن تهتم بمصالح بلادها أولا، عوض الجري وراء سراب عصابات الانفصال و داعميه.
في اعتقادي، القرار الأممي الأخير يعتبر مكتسبا جديدا علينا استثماره بشكل قوي. و لعل أفضل البدايات، ما دام السياق الزمني يتيح ذلك، هو تخليد ذكري المسيرة الخضراء لهذه السنة، التي تحل بعد أيام، بشكل استثنائي، سياسيا و إعلاميا و مجتمعيا و فنيا، احتفاء بالانتصارات الديبلوماسية التي حققتها بلادنا، و سعيا لجعل الذكرى حدثا وطنيا نشحذ عبره الهمم، و نحفز الشعور الوطني و الحماس الشعبي، و نجدد عهد السير في طريق تعزيز الجبهة الداخلية من بوابة التنمية والديمقراطية و العدالة و ترسيخ حقوق الإنسان المغربي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، و تقوية المشاركة السياسية والمواطنة لتجديد الدماء في عروق هيئات الوساطة السياسية و الاجتماعية التي ينتظر منها المغاربة أن تبرر وجودها من خلال قدرتها على إفراز نخب جديدة و جادة، تستطيع الترافع الفعال عن قضايانا الوطنية، و تستحق تدبير الشأن العام، و لها من الكفاءة ما يلزم لتنزيل الأوراش التنموية ببلادنا بأعلى درجات الالتزام بالحكامة الجيدة و النزاهة في استثمار الإمكانيات العمومية المتوفرة.
بذلك، سيكون ممكنا المضي، بسرعة أكبر، نحو معالجة قضايا بنيوية ملحة تهم محاور أساسية في واقعنا، هي :
– إشكالية جذب الاستثمار و حسن تدبيره و حمايته من ضغط البيروقراطية و من تحالف لوبيات أصحاب المصالح الريعية.
– إشكالية نذرة المياه، و تراجع الغطاء الغابوي، و تمدد التصحر الذي يضرب عددا من المجالات الجغرافية التي تحتاج من السلطات العمومية و المجالس الترابية إلى مبادرات للحد من أخطار طبيعية داهمة.
– إشكاليات إدماج الشباب والحاجة إلى إبداع نماذج جديدة في التعاطي مع قضاياهم و مع انتظاراتهم، بعيدا عن الأنماط التقليدية التي تجرها، منذ سنوات و دون فائدة أو أثر يذكر، آليات تدبير عمومي لم تحقق المطلوب، و لم تنجح في تعزيز ثقة الشباب في أنفسهم و في إمكانية تحقيقهم لنجاحات في مساراتهم الاجتماعية و المهنية داخل بلادهم.
– تعزيز الثقة في الفعل العمومي، بشكل عام، و تقليص الهوة بين المواطنين وبين الإدارة وعدد من المؤسسات التي يجب أن تطور تواصلها و تجدد خدماتها و أساليب عملها، و تخوض رهان العصرنة و التحديث و الرقمنة و القرب الحقيقي مما يحتاجه المواطنون.
تلك هي السبيل لبلوغ نتائج ملموسة ترفع همم المغاربة عاليا، و تقوي ثقتهم في ديناميكية تنزيل المشروع التنموي المغربي، و تزيد من توهج نموذج حضاري و مؤسساتي مغربي أصيل، علينا مسؤولية المحافظة على إشعاعه و مكتسباته و ثوابته الوطنية، من منطلق أن المغرب كبير على العابثين، و أنه يستحق منا ممارسات تدبيرية و أخلاق اجتماعية ترقى إلى ما يتسوجبه الانتماء إليه.