أخبار الدارسلايدر

هل فهم كابرانات الجزائر درس القمة العربية؟

الدار/ افتتاحية

من المفيد اليوم للنظام الجزائري أن يتوقف لحظة تأمل عميقة وصادقة من أجل استخلاص دروس القمة العربية الأخيرة، التي أظهرت للكابرانات بكل وضوح وصراحة أنهم لا يستطيعون أكل الغلة وسبّ الملّة في الوقت نفسه. لا يمكن أن يزعم هذا النظام انتماء للعروبة ولقضاياها المشتركة والمصيرية وهم يفتحون منذ زمن طويل بوابة رياح الشر القادمة من طهران، لتدخل العالم العربي من منفذه الغربي والمغاربي، بينما تقرّ جل الأنظمة العربية بأن هذه العلاقة هي علاقة مسمومة لا يمكن أن يجني منها الوطن العربي إلا الشوك والدماء. أن يعلن النظام الجزائري حرصه على “لمّ الشمل” العربي ثم يفتح أحضانه لاستقبال المد الإيراني ويعتبر نظام طهران جارا وشريكا كباقي الشركاء.

ولذلك فإن إعلان الجزائر الذي أكد على أهمية تحصين الوطن العربي من الهجمات الخارجية التي تهدف إلى زعزعة استقراره يمثل بالنسبة لجلّ الدول العربية، بما في ذلك الجزائر، خارطة طريق ملزمة ينبغي السير على خطاها إذا كان هذا النظام لا يزال يرغب فعلا في الحفاظ على البقية الباقية من الانتماء للأمة العربية. فالانتماء لهذه الأمة ليس مجرد شعارات وعناوين برّاقة، وإنما هو توجهات سياسية ودبلوماسية بالأساس، ينبغي أن تكون مبنية على أساس الدفاع المشترك عن حدود هذا العالم العربي الفسيح، والانخراط في ضمان استقرار بلدانه ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي فيه، سواء من الشرق أو من الغرب.

ولاء الكابرانات على سبيل المثال لروسيا، لا ينبغي أن يشكل عائقا مانعا أمام موالاة الصف العربي واحترام مقدساته والمساهمة في الدفاع عن مصالحه. هذا هو الدرس المنطقي الذي يبنغي أن يصل إلى أذهان قيادات هذا النظام. وقد نجح القادة العرب، وخصوصا من دول الخليج العربي، في إيصال رسالة بليغة إلى النظام الجزائري لعلّه يتّعظ ويأخذ العبرة فيما يُستقبل من المحطات والمنتديات العربية المشتركة. لا يمكن أن ينجح بلد عربي في رهاناته دون مساهمة باقي الدول الأخرى. القمة العربية التي انعقدت في الجزائر كانت باهتة وفاشلة على جميع الأصعدة لأن النظام الجزائري كان مصرًّا منذ البداية، أي منذ أن شرع في إطلاق المشاورات للتحضير لها، على الدفع بطروحات تناهض فكرة الوحدة العربية، والتوجه نحو اختيارات إيرانية خالصة، كان من أهمها طبعا الترويج لضرورة عودة النظام السوري لاستعادة مقعده في القمة.

بعبارة أخرى، لقد قبل الكابرانات أن يلعبوا دور ساعي بريد إيران، وهم يحملون على عاتقهم رهاناته التدميرية في المنطقة العربية وفي المغرب الكبير. بدأ ذلك طبعا بهذا الطلب الغريب الذي رفضته كل الدول العربية من أجل التطبيع مع النظام السوري الموالي لإيران، ثم تبلور ذلك عمليا عندما توسّط نظام شنقريحة وتبون لدى إيران من أجل تزويد عصابة البوليساريو بطائرات مسيّرة من صنع هذا نظام الملالي المارق. فكيف إذن يريد الكابرانات وهم قد اختاروا مواجهة غير معلنة مع أشقائهم العرب أن يلتئم العرس العربي بكامله شخصياته وقادته في الجزائر؟ في المرة القادمة عندما سيفكر الكابرانات في احتضان حدث كهذا فمن المفروض أن يفكّروا مليا وجديا في أن العمل العربي المشترك ليس هو الخروج عن الصف والتلاعب بالثوابت وإنما هو أولا وقبل كل شيء بذل كل ما يمكن من أجل تذويب الخلافات واحتواء النزاعات.

وبالموازاة مع هذا الدرس البليغ الذي تلقّاه الكابرانات، لعلّهم يستفيدون منه في المستقبل القريب، فإن الفائدة الكبرى من وراء هذه القمة هو اكتشاف جلّ الأنظمة العربية التي لم تكن تعرف حقيقة نظام العسكر، أنه نظام لا يكتفي فقط بمعاداة المغرب ومحاولة تقسيمه وتفتيت وحدته الترابية، وإنما هو أيضا يمارس للأسف نوعا من العمالة المقيتة لفائدة دول يُجمع كل العرب أنها تبني مشروعها السياسي الخارجي على حساب المنطقة العربية وعلى حساب استقرارها وأمنها. ولعلّ أبسط أمثلة هذا الخروج عن الصف هو ما قام به النظام الجزائري في إفريقيا عندما قرّر خارج التوجه العربي العام أن يتحالف مع إثيوبيا ضد مصالح جمهورية مصر العربية، ثم يحاول على هامش القمة العربية أن يصلح ما فات من خلال تقديم عرض مالي مغري كقرض للقاهرة.

زر الذهاب إلى الأعلى