الرياضةسلايدر

حفل الافتتاح.. قطر تُبهر العالم وتدشن كأس العالم بنكهة عربية

الدار/ تحليل

لن تكون نسخة كأس العالم الثانية والعشرون التي انطلقت اليوم بقطر كباقي النسخ السابقة. لقد نجحت دولة قطر في بصْم هذا الحدث الرياضي الذي ينظم كل أربع سنوات ببصمة عربية خالصة تحتفظ للمسابقة الكروية الأكبر بإثارتها المعهودة لكنها تحفّها في الوقت نفسه بالخصوصيات الثقافية العربية والإسلامية. وبينما تصدّرت قيم التعايش والاحترام والتسامح اللوحات الفنية والاستعراضية التي تم تقديمها في حفل الافتتاح، أظهر المنظمون تميزا ملحوظا في المزاوجة بين أحدث التقنيات التكنولوجية وبين الموروث الثقافي العربي عموما والخليجي على الخصوص. حفل الافتتاح الذي سيدشن 28 يوما من المنافسات الكروية توفّق في اختيار المكان والشخصيات والقصة التي روت سيرة نجاح طويلة.

كان اختيار الممثل الأمريكي الشهير مورغان فريمان لتقديم فقرات حفل الافتتاح خيارا بالغ الرمزية نظرا لما يمثّله هذا الممثل المبدع من جسر يربط بين الثقافة العربية الإسلامية والمجتمعات الغربية، إذ ليست هذه هي المرة الأولى التي يحتكّ فيها فريمان بثقافات الشرق الأوسط، فقد سبق له مرارا وتكرارا إظهار قدر كبير من الاهتمام بالإسلام وبالحضارة العربية. ويكاد مورغان فريمان يمثل ذلك الوسيط الموثوق بين الثقافتين العربية والغربية بالنظر أيضا إلى سمعته ونجوميته المتميزة في الولايات المتحدة الأمريكية كأحد نجوم هوليود السّود الأكثر متابعة وشعبية في العالم بأسره. فصاحب الصوت الدافئ الذي اعتاد المخرجون الأمريكيون أن يسندوا إليه أدوارا سردية إضافة إلى الأدوار التشخيصية يمثل أيضا بجذوره الإفريقية رسالة كأس العالم قطر 2022 المرتكزة على قبول الآخر واحترام التنوع العرقي والثقافي.

وإذا كان فريمان قد ملأ حفل الافتتاح بكاريزميته المعهودة، فإن استاد البيت الذي وقع عليه الاختيار لاحتضان هذا الحفل لم يكن أقلّ برزوا في هذا الحدث. استاد البيت الذي تمت هندسته في شكل خيمة بدوية يمثّل أيضا هذا الاعتزاز الذي تحاول قطر إظهاره للعالم بثقافتها الصحراوية والبدوية العربية، بما ترمز إليه من قيم الأصالة والشهامة والنخوة التي جسّدتها رقصة السيف التي كانت في قلب هذا الحفل. رقصة السيف التي تمثل أيضا جزء من الموروث الخليجي المشترك، على اعتبار أنها فولكلور ينتشر في جل دول الخليج العربي ومن بينها المملكة العربية السعودية. الرقصات والأهازيج والأغاني والأشعار التي تم عرضها اليوم في استاد البيت كانت جزء من هذا السيناريو الذي غلب عليه الطابع الخليجي والعربي.

لكن هذا الحفل الذي يدشن الانطلاقة الرسمية لكأس العالم لم يكن مجرد واجهة للتفاخر والاعتزاز بالموروث العربي بقدر ما كان أيضا فرصة لجَسْر العلاقة مع الثقافات الأخرى التي ستتابع كأس العالم بكل شغف. لقد تضمنت الفقرات التي تم تقديمها فكرة بسيطة لكنها بليغة، عندما تمّ عرْض كل الأغاني الرسمية لكؤوس العالم التي تم تنظيمها خلال العشرين سنة الماضية، لتذكير الجماهير بأن المونديال القطري ليس سوى لبِنة إضافية في تاريخ الكرة العالمية وحكاية كأس العالم، وأن ما وصلت إليه قطر اليوم من تميّز على مستوى الاستعداد والتنظيم حتى الآن يمثل جزء من نجاحات العالم وكل الدول التي سبق لها احتضان هذا الحدث الرياضي العالمي.

هذا الخيط الناظم في حفل الافتتاح الذي كان يحرص على تصوير كأس العالم قطر 2022 كملتقى للحضارات عكسته بذكاء الفقرة الموسيقية التي جمعت أعلام المنتخبات المشاركة مع مقاطع من الأناشيد التشجيعية التي اشتهرت بها جماهير هذه المنتخبات. وكان من بين هذه الشعارات التشجيعية تلك التي تتغنى بها الجماهير المغربية خلال تشجيع المنتخب الوطني، ولعلّ حضور العلم المغربي والشعارات المغربية وكذا الجماهير المغربية في مدرجات استاد البيت في مناسبة افتتاح كأس العالم يُدخل المغرب ضمن القائمة المحدودة للبلدان التي حظيت بشرف المشاركة في هذا الحدث الرياضي، ليس فقط على أرضية الملعب من خلال المباريات، وإنما أيضا من خلال كل اللمسات الفنية والأمنية والتقنية التي قدمتها الخبرات والكفاءات الوطنية من أجل إنجاح هذا العرس الكروي العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى