الرياضةسلايدر

هذه دلالات احتفال الملك مع شعبه بالانجاز التاريخي لأسود الأطلس في المونديال

الدار/ افتتاحية

مشهد احتفال جلالة الملك محمد السادس مع الجماهير في الشارع بعلم مغربي يرفرف بين يديه الكريمتين يمثل لحظة أخرى من اللحظات التاريخية التي تكون فيها الأسرة الملكية في موعد مع نبض الشارع وإحساس الشعب. هذا الظهور الملكي العفوي بعيدا عن كل البروتوكولات الرسمية والإجراءات الأمنية الاعتيادية أو الاستثنائية يظهر حجم تعلّق هذه الأسرة الشريفة بأفراح الشعب واندماجها الكامل مع انشغالاته وانفعالاته ومع كل ما يحرّك وجدانه، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بمناسبة تبرز فيها الراية الوطنية على الصعيد العالمي وتشرّف الكرة المغربية هذا الوطن الذي يسير بتُؤدة وتأني نحو بر النماء والتقدم والاستقرار تحت رعاية هذه القيادة الملكية الحكيمة.

هناك فيض غامر من الرسائل الجيّاشة والصادقة عبّرت عنها صورة الملك محمد السادس وهو يقف بين أفراد شعبه بشكل عفوي في الشارع ويرفع العلم الوطني من داخل السيارة، ويتحلّق من حوله عموم المواطنين في مشهد من مشاهد القُرب التي اعتدناها من جلالته في العديد من المناسبات. الملك محمد السادس لا يريد أن تفوت فرصة من فرص الفرح الجماعي دون أن يتقاسمها وبشكل علني ومباشر مع أبناء شعبه، وفاء لهذه السمة التي تميّز عهده منذ أن تربع جلالته على العرش. كان دائما ولا يزال ملكا قريبا من المواطنين يسمع لنبض الشارع ويحتفي بأفراحه ويحزن لأحزانه، ويؤكد باستمرار من خلال أنشطته ولقاءاته ومبادراته على ضرورة الإعلاء من شأن هذا الوطن بين الأمم.

لا يمكن إذن أن تمرّ مناسبة تأهل المنتخب الوطني إلى دور ربع النهاية من كأس العالم دون أن يعزّز جلالة الملك من هذا التوجيه الاستراتيجي في سياساته منذ توليه الحكم. فقد كان ولا يزال حريصا على أن يرتفع هذا العلم في المحافل الدولية ويحصل المغرب على المكانة اللائقة به بين الدول ويحظى سواء من بوابة الرياضة أو الفن أو العلم أو الثقافة بموقع متقدم، يمكن أن يمثل ذريعة لتعبئة كل موارد النجاح والتألق في مجال من المجالات مهما عظُمت أو قلّت أهميته. ولا يجب أن ننسى أيضا أن هذا الفرح الملكي الغامر يأتي في مناسبة مباراة مع منتخب استثنائي، ومع بلد يمثّل رقما هاما في سلم العلاقات الخارجية لبلادنا. إنه احتفال بالفوز على إسبانيا التي تعدّ جارة وشريكة ومنافسة في الوقت نفسه لطموحات بلادنا في شتّى المجالات.

من هنا فإن هذا الحرص الشديد من الأسرة الملكية على تقاسم الفرحة مع المغاربة بهذه المناسبة يعبّر عن أصالة راسخة في جوهر العلاقة بين المؤسسة الملكية وبين عامة الشعب المغربي. هذه العلاقة التي بُنيت عبر التاريخ على أسس الولاء والتضحية المتبادلة، هي نفسها التي كانت حاضرة في لحظات حساسة من تاريخ المغرب عندما قرّر السلطان محمد الخامس على سبيل المثال رفض الإملاءات الفرنسية على الرغم من تهديد النفي، وهي نفسها التي جعلت الشعب المغربي يخرج عن بكرة أبيه إلى الشوارع وينتفض ويقدم دماءه الزكية الطاهرة بعد أن تجرأت السلطات الاستعمارية الفرنسية وقامت بنفي السلطان المجاهد محمد بن يوسف. ومثلما تقاسم المغاربة مع سلطانهم مشاعر الحزن والألم والمعاناة على هذا الإبعاد، فإنه أيضا غمرهم بفيض مشاعره المحبّة الصادقة عندما عاد مظفرا من المنفى مبشرا باستقلال البلاد.

واليوم وفي لحظات السعادة التي تمرّ بها الأمة المغربية بعد هذا الانتصار الكروي مع كل ما يحمله من دلالات رمزية، كان لا بد أن تبرز من جديد جذوة هذه العلاقة الوثيقة التي تربط هذا الشعب بملكه وبأسرته الحاكمة. وكان لا بد أيضا أن يظهر الملك محمد السادس في هذه الفرحة الجماعية لتكريم النجاح والفوز والتألق، وهي قيم لطالما كان يعبّر عن ضرورة المراهنة عليها من أجل بناء مغرب جديد، مغرب حفيٍّ بكفاءاته وخبرائه وموهوبيه. وكم هو حجم الأثر النفسي الإيجابي الذي ستتركه هذه المشاهد الملكية في نفوس عناصر النخبة الوطنية المتحفّزين أكثر من أي وقت مضى لتحقيق إنجاز تاريخي بكل المقاييس. ولأن هذه الفرحة المُتقاسَمة بين الملك وشعبه كانت مشهد صدق خالص، فإنها لا شك ستمثل أيضا فألا حسنا على هذا المنتخب، الذي يتشوق من جديد إلى رؤية الملك وهو يتقاسم فرحة التأهيل إلى نصف النهائي مع أبناء هذا الشعب المتعطّش للريادة والتميز.

زر الذهاب إلى الأعلى