أخبار الدارسلايدر

هل تقترب فرنسا من الاعتراف بمغربية الصحراء وافتتاح قنصليتها؟

الدار/ افتتاحية

الانفراج الكبير الذي تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية في الآونة الأخيرة والتطورات التي تم الإعلان عنها اليوم بمناسبة زيارة وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى المغرب تمثل مرحلة انتقالية نوعية في مسار العلاقات بين البلدين التي تعرف منذ أشهر نوعا من الركود الذي وصل في أحيان كثيرا إلى حرب باردة وصامتة. وقد برزت خلال اللقاء الصحافي الذي عقده وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة رفقة نظيرته الفرنسية اليوم مؤشرات عديدة تدل أن هذه العلاقات تشرف على بلوغ مستوى جد متقدم من التطور خصوصا فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية. وقد ظهر ذلك بجلاء في تصريح الوزير بوريطة الذي أعلن أن هذه الزيارة تأتي في إطار التحضير للقاء على مستوى القيادة العليا للبلدين في الأشهر القليلة المقبلة في أفق تحقّق “القفزة النوعية التي ينتظرها الجميع في العلاقات الثنائية”.

حديث ناصر بوريطة عن القفزة النوعية المنتظرة في العلاقات بين البلدين إشارة واضحة إلى ما ينتظره المغرب قيادة وشعبا من الجمهورية الفرنسية على مستوى التفاعل مع التطورات التي عرفها ملف الصحراء المغربية في السنوات القليلة الماضية، منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وتعاقب الاعترافات من عديد من الدول العربية والإفريقية والأوربية، ثم افتتاح العديد منها لقنصلياتها في الأقاليم الجنوبية بالعيون والداخلة. وستشكل الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب ولقاءه بجلالة الملك محمد السادس مناسبة تاريخية للإعلان عن عدد من البرامج ومشاريع التعاون، ومستويات التنسيق العالية بين البلدين في مختلف المجالات وعلى رأسها طبعا توحيد الرؤية بخصوص ملف الصحراء المغربية من أجل تعزيز فرص الاستقرار والالتفات إلى التحديات التنموية والبيئية والأمنية بالمنطقة.

سيكون على الكابرانات إذن انتظار مفاجأة صادمة وشيكة عندما ستعود باريس إلى رشدها، وتنصت إلى صوت الحكمة والتعقّل لإنهاء هذا النزاع المفتعل الذي طال أكثر من اللازم. ومن المؤكد أن فرنسا تأخرت كثيرا في الخروج من موقفها الملتبس والمتردد نوعا، والذي كان يبدو كنوع من اللعب على الحبلين باستمرار، بالنظر إلى أن لها دور مهم في دعم خطط السلام والاستقرار بالمنطقة، باعتبارها من بين القوى الفاعلة تاريخيا في شمال إفريقيا، وكذا باعتبارها من بين الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن. لكن الاعتبار الأساسي الذي يركز عليه المغاربة في نظرتهم إلى الموقف الفرنسي هو هذا التناقض الصارخ بين العلاقات القوية والمتينة بين المغرب وفرنسا التي استمرت لعقود وتجاوزت الكثير من لحظات التوتر، وبين مواصلة السلطات الفرنسية تجاهل التحوّل الكبير الذي عرفه ملف الصحراء المغربية.

بعبارة أخرى لقد كان أولى بفرنسا أن تسبق الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتراف بمغربية الصحراء بالنظر إلى تحالفها التاريخي الراسخ مع المغرب، وباعتبار علاقاتها الثقافية والاقتصادية المتنامية التي جعلت من المغرب أهم الشركاء الاقتصاديين لفرنسا في القارة السمراء. من المنطقي إذن أن يتحوّل هذا التناغم الحاصل عمليا من خلال شراكات عديدة تشمل مجالات مختلفة إلى وضوح وصراحة على مستوى الملف الأكثر أهمية وحساسية بالنسبة للمغرب، ألا وهو ملف الوحدة الترابية. فليست فرنسا في هذا المجال أقل جرأة من إسبانيا التي تمكنت من تجاوز الحاجز النفسي حفاظا على علاقاتها ومصالحها مع المغرب، واتخذت قرارها الجريء بدعم مخطط الحكم الذاتي والالتزام بالتوقف عن اتخاذ خطوات استفزازية للوحدة الترابية للمملكة.

كل المؤشرات والظروف أضحت اليوم متوفرة إذن لبلورة موقف فرنسي شجاع يحسم مع الضبابية ومنطق اللعب على الحبلين، ويعيد وضع العلاقات التاريخية بين فرنسا والمغرب على سكتها الصحيحة والطبيعية، ولعلّ إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية اليوم من الرباط عن نهاية أزمة التأشيرات يمثل مقدمة جد إيجابية ومبشّرة لما سيتم الإعلان عنه رسميا خلال زيارة ماكرون إلى المغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى