الدار/ تحليل
للقطريين الحق في الافتخار بهذه الدورة الثانية والعشرين من بطولة كأس العالم في كرة القدم وللمغاربة أن يرفعوا راياتهم عالية خفاقة بعد العرض الأسطوري الذي قدّمه المنتخب الوطني في أول نسخة يحتضنها بلد عربي. وكأن الإرادة العربية الصادقة تضافرت خلال هذا الشهر لتقدم لنا مشهدا من مشاهد التآلف والانسجام والتلاحم العربي، فقدّمت قطر كل ما لديها من إمكانات وقدرات ولوجيستيك لإنجاح هذه الكأس العالمية بينما بذل أسود الأطلس كل ما في وسعهم على أرضية الملاعب من أجل تشريف كرة القدم العربية والإفريقية وسجّلوا أفضل مشاركة لدول القارة والمنطقة في بطولة من بطولات كأس العالم.
من الضروري أن نقدم لقطر كل الشكر والامتنان لأنها شرّفت الدول العربية على المستوى التنظيمي واستطاعت أن تقدم نسخة متفردة من بطولة كأس العالم على كل المستويات بملاعبها المميزة وحفل الافتتاح الباهر والإجراءات الأمنية الناجعة وكذا على مستوى فرض النموذج الثقافي العربي والإسلامي بشكل يدعو للاحترام والتقدير. لكن قطر بدورها لن تتوانى عن شكر منتخب أسود الأطلس والجماهير المغربية على كل ما قدّموه خلال هذه الدورة من مباريات تاريخية أعطت لهذا المونديال صبغة مغربية خالصة باعتراف الجماهير عبر العالم واعتراف وسائل الإعلام الدولية التي تابعت المونديال. فالحضور المُبهر للمنتخب المغربي كان له الدور الكبير في استكمال هذه الصورة التنظيمية الناجحة بتحقيق نتائج تاريخية ليحطّم هذا المونديال الكثير من الأرقام.
بالإضافة إلى الأرقام المتعلقة بالنتائج والأهداف والمفاجآت التي شهدها المونديال، كانت هناك أرقام أخرى لا تقلّ أهمية، إنها أرقام النجاح عبر تقديم صورة إيجابية ونموذجية عن المجتمعات العربية وعن ثقافتنا وإرثنا التاريخي المشترك في هذه المنطقة. هذا المونديال وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت له في البداية من بعض الدول الغربية على الخصوص إلا أن مبارياته ومشاهده كانت كفيلة بتحجيم هذه الحملات الإعلامية وإفحامها بسرعة. وقد كان للمنتخب والوفد المغربي المشارك في هذا المونديال نصيب من هذا الإفحام، عندما كان اللاعبون يبرزون بعفوية جانبا من قيم “تامغربيت” الأصيلة وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم في الملاعب ويظهرون للعالم هذا الوجه الإنساني العميق الذي يعتز به الإنسان المغربي والعربي. عندما كانوا يسجدون جماعة ويرفعون الرايات المغربية والعربية ويعبّرون عن روح التضامن التي لا تزال حيّة متّقدة في أرجاء الوطن العربي.
لقد تضافرت إذن عزيمة الأسود وإرادة قطر من أجل تقديم مونديال سيظل في الذكريات المشتركة للوطن العربي بالنظر إلى هذا التلاحم الذي نجح أسود الأطلس في خلقه وراءهم بفضل إنجازاتهم وانتصاراتهم الخرافية. كانت الجماهير الفلسطينية والمصرية والسودانية والمغربية وغيرها من الجنسيات العربية تجلس تترقب مباريات المنتخب الوطني وتتابعها بشغف وترفع أكفّ الضراعة من أجل نصر الأسود وتمكينهم من العبور إلى الأدوار الموالية. إنه مونديال شاهد فيه العالم بأم عينيه كيف تتحوّل كلمة “سير سير” إلى وقود وطاقة هائلة لشحن منتخب كامل، وتابع بانبهار هذا السيل الجارف من الجمهور المغربي الذي يخلق فرجة موازية لا حدود لها في المدرجّات.
لم يكن من الممكن أبدا تخيّل نجاح هذا المونديال على المستوى الجماهيري في غياب الجمهور المغربي الشغوف والمعطاء الذي لم يبخل بسخاء التشجيعات وكرم الهتافات لتقديم درس عن “الغرينتا” المغربية الخالصة. يحقّ لنا جميعا إذن أن نفخر بمونديال قطر 2022 لأننا في المغرب كنا جزء لا يتجزأ من قصة النجاح بدء من إنتاج الأغنية الرسمية للمونديال التي أبدعها الفنان المغربي ريدوان، مرورا بالتأطير الأمني المحترف الذي شاركت فيه الكفاءات الوطنية المغربية، وصولا إلى المشاركة المميزة لأسود الأطلس التي ستبقى خالدة في تاريخ هذه البطولة حتى تحقيق إنجاز أفضل وبلوغ النهائي في المستقبل.