
الدار/ تحليل
تأبى قناة الرياضية إلا أن تكمل مهزلة ضعف النقل التلفزيوني لاستقبال المنتخب الوطني لكرة القدم العائد من قطر بإطلاق حملة إشعارات لإدارة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من أجل حذف الفيديوهات التي توثّق حدث الاستقبال الملكي والشعبي لأسود الأطلس في وقت توافقت فيه إرادة أمة من أجل تكريم هذا المنتخب واحتضانه بعيدا عن أي مصالح أو أطماع أو أرباح مادية أو معنوية عابرة. هذا السلوك المستهجن الذي أقدمت عليه قناة الرياضية يثير استغراب المتابعين والإعلاميين، الذين يتساءلون كيف تسعى قناة رياضية رسمية إلى إفراغ موقع التواصل الاجتماعي من محتوى يبرز الوجه الحضاري للمغرب ويؤرخ للحظة تاريخية لا تتكرر؟
هل يمكن أن يكون الطمع في جني دولارات الأدسنس مبررا كافيا لاقتراف سلوك تحريضي كهذا يخطف الفرحة من قلوب المغاربة الذين يتابعون هذه الفيديوهات ويهدم هذا التسويق الدولي الرائع لصورة المغرب التي ظهرت في أبهى أشكالها يوم استقبال الشعب المغربي في شوارع الرباط لأسود الأطلس؟ لقد أثارت صور وفيديوهات هذا الاستقبال التاريخي غيرة الأرجنتينيين الذين تمنوا لو كان حفل الاستقبال الذي حظي به المنتخب الأرجنتيني الحائز على كأس العالم بنفس القدر من التنظيم والانضباط والجمالية. بل إن كثيرا من التعليقات التي أطلقوها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر كانت تتحدث عن الخصوصية الثقافية للإنسان المغربي الذي ينضبط للقانون ويحترم الضوابط التي تضعها الدولة.
كيف تبلورت هذه الصورة في أذهان الأرجنتينيين وغيرهم من شعوب العالم؟ لقد رأوا بأم أعينهم هذه الصورة الإيجابية والحضارية عبر تقاسم هذه الفيديوهات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب والخارج، وما حققته هذه الصورة على مستوى تعزيز سمعة المغرب ومكانته لا يمكن أبدا أن تعوّضه مكاسب الإشهار والدعاية التي يمكن أن يحصدها الحساب الرسمي لقناة الرياضية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أو في قناتها على اليوتيوب. “الناس فالناس والقرعة فمشيط الراس”، هذا حال قناة الرياضية وحال إدارتها اليوم، فبدلا من أن تواصل العمل على الاحتفاء بالإنجاز الكروي العالمي الذي حققه أسود الأطلس عبر عمل مهني واحترافي إضافي، تنشغل اليوم بتحريض إدارة فيسبوك على كل من تقاسم هذه الصور والفيديوهات التي تبقى في نهاية المطاف ملك لكل المغاربة في هذه اللحظة الذهبية لكرة القدم المغربية.
في مثل هذه الأحداث الوطنية الكبرى واللحظات التاريخية النادرة تسقط كل الاعتبارات والحسابات المادية العابرة وتتصدر اعتبارات المصلحة الوطنية وصورة البلاد في الخارج الواجهة، لتصبح بمثابة هدف موحد وجماعي لكل الفاعلين سواء من الجماهير أو الصحافيين أو وسائل الإعلام أو المسؤولين السياسيين أو غيرهم. لقد قدّم ملك البلاد نموذجا عاليا من الارتباط بالانشغالات الوطنية عندما خرج في مناسبة سابقة إلى الشارع على متن سيارته يحتفي بعفوية مع كل المغاربة بفرحتهم بمنتخبهم الوطني، ثم عاد جلالته بالأمس ليستقبل بكل أريحية وترحاب أبناءه من أبطال مونديال قطر وأمهاتهم، في إشارة واضحة إلى ذلك التلاحم الأزلي بين العائلة الملكية وبين ما يخترق وجدان الشعب المغربي في لحظات الفرح أو لحظات الأسى.
في مثل هذه المناسبات كان من المفروض على مدير قناة الرياضية ومسؤوليها أن يفكروا أولا في مصلحة المغرب وصورة بلادنا التي تواصل التألق قاريا وعربيا ودوليا، ويؤجلوا هذه الحسابات الضيقة الأنانية إلى حين، ويندمجوا مثلهم مثل باقي المغاربة فيما أنتجته هذه الفرحة الشعبية العارمة بأسود الأطلس من مشاعر الوطنية الخالصة وأحاسيس حب هذه الأرض والانتماء إليها بكل معاني الصدق والعطاء والولاء. إن قناة الرياضية تسعى من حيث تدري أو لا تدري من خلال هذه الإشعارات التي تواصل إرسالها إلى موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى فرض طوق من التعتيم على ما حققته بلادنا من تقدم سواء على مستوى الإنجاز الكروي أو على مستوى القدرات التنظيمية الهائلة التي برزت في استقبال أسود الأطلس في شوارع سلا والرباط.