الرياضةسلايدر

أسود الأطلس.. إشعاع للإسلام الوسطي وقيم تمغربيت الأصيلة

الدار/ تحليل

البلاغ الذي أصدرته الجامعة الملكية لكرة القدم دفاعا عن اللاعب زكرياء أبو خلال وتبرئة له من الاتهامات الباطلة والمستغرَبة، كان من أهم المبادرات التي تتخذها هذه الهيئة العليا المكلفة بتدبير قطاع كرة القدم ببلادنا. ليس مستغربا على جامعة فوزي لقجع التي حقّقت كل هذه الإنجازات المشهودة وطنيا ودوليا أن تتصدّى لمثل هذه التجاوزات والهفوات المرفوضة جملة وتفصيلا. أن يظهر اللاعب زكرياء أبو خلال قارئا للقرآن أو أن يقدم زوجته بنقابه الإسلامي أو أن يلتقي بمن شاء من الدعاة فهذا شأن خاص به لا يمكن البتة اعتباره تطرّفا أو تشددا مرفوضا يمكن أن يسيء له أو لصورة المنتخب الوطني أو المغرب عموما.

على العكس من ذلك زكرياء أبو خلال هو نموذج مثالي للتديّن المغربي الإسلامي المنفتح الذي يقبل الاختلاف ويحتضن الآخر ولا يرفض الاندماج في الواقع وفي الحداثة والتطور الذي يفرضه العصر. تأملوا معنا هذه الصورة، أبو خلال شاب مغربي مقيم في الديار البلجيكية حافظ للقرآن، لم يمنعه ذلك بتاتا من أن يحترف كرة القدم ويكون من بين المواهب الكروية المغربية الصاعدة في الدوري البلجيكي، بل وأن يشارك في كأس العالم بقطر ويسجل هدفا تاريخيا ضد منتخب البلد الذي ولد ونشأ فيه. هل هناك انفتاح أو تعايش أكثر من هذا الذي عبّر عنه هذا اللاعب بهذا المشهد وتلك الصورة.

الجزء الآخر الذي يدل على روح الانفتاح والوسطية التي تميّز هذا الشاب وتميز عموما تديّن لاعبي المنتخب الوطني المغربي، هو أن والدته التي حضرت معه في حفل التكريم الذي أقامه جلالة الملك محمد السادس على شرف أسود الأطلس، امرأة بمظهر عصري جدا لا ترتدي لا حجابا ولا نقابا وتعبّر عن شخصية المرأة المغربية المهاجرة المكافحة التي استطاعت أن تشق طريقها في مجتمع غربي كالمجتمع البلجيكي وتربي وتنشيء نموذجا ناجحا كزكرياء من أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج. ولتكتمل الصورة علينا أن نتذكر أن زكرياء أبو خلال هو ثمرة زواج مختلط بين أم مغربية يمنحها القانون المغربي حقّ منح الجنسية لابنها وبين أب ليبي جمعته بهذه المرأة علاقة حب وود واستطاعا أن يشكل أسرة ناجحة بكل المقاييس في زمن أصبح فيه الزواج والاستقرار فيه تحديا أمام الأزواج الذين ينتمون للوطن ذاته فما بالك بالذين ينتمون لجنسيتين مختلفتين.

إن المؤسف في التقرير المسيء هو أنه تقاطع إلى حد بعيد مع ما بثّته قناة ألمانية أوردت تقريرا صادما حينما شبّهت رفع بعض اللاعبين المغاربة لأصابعهم برفع بعض العناصر من تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لأصابعهم في صور وفيديوهات كانت تتداول إبان تمدّد هذا التنظيم في العراق وسوريا وما حولهما، علما أن هذه القناة الألمانية سرعان ما أدركت هفوتها الخطيرة، وتداركت الأمر لتعتذر بصفة رسمية عن هذا التقرير المسيء. إن عناصر المنتخب الوطني نموذج ناجح جدا يجسد التديّن المغربي الوسطي البعيد عن أي شكل من أشكال التطرف القادر على مواكبة العصر والانفتاح عليه مع الحفاظ على أصالته وقيمه الإسلامية الوسطية التي ترتكز في بلدنا العزيز على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السّني. عناصر المنتخب الوطني كانوا قادرين على التعبير عن هذه الوسطية خلال المونديال الأخير عندما كان يسجدون شكرا لله في الملعب ثم لا يمنعهم ذلك من الاحتفال أمام الكاميرات بالغناء والرقص وتقاسم كل ذلك مع أمهاتهم وزوجاتهم في فيديوهات وصور يتم تداولها بعيدا عن أي تشنج أو انغلاق مرفوض.

إنه منتخب يمثل المسلمين المعتدلين الذين نجحوا في تقديم صورة إيجابية وإشعاع ممتد عن القيم الإسلامية والمغربية الأصيلة، والتي كان على رأسها قيمة البرّ بالوالدين والالتحام حول الأسرة وقيمها الراسخة بعيدا عن التفسّخ أو التشدد. هذه هي قيمنا وقيم بلدنا التي نجحت في الخروج من دائرة التشدد ومظاهره المرفوضة التي لا تزال للأسف تعطّل بعض الشعوب والأمم وتضيع الفرص التاريخية المطلوبة للانخراط في مستقبل متوازن روحيا واجتماعيا وأخلاقيا. فهنيئا لأسرة أبو خلال هذا الشبل الوطني الخلوق، وهنيئا لباقي أسود الأطلس تلك الصورة المثالية التي قدّموها عن المغرب الوسطي المنفتح.

زر الذهاب إلى الأعلى