هل يعي الأوربيون حجم تضحيات المغرب لاستقرار دول الاتحاد الأوربي؟

الدار/ افتتاحية
من حق المغرب على إسبانيا أن تتخذ هذا الموقف الشجاع في الاتحاد الأوربي وتطالب بنهج مختلف في علاقات هذا التكتل بالمغرب. ومن حق إسبانيا أيضا أن تدافع عن هذا الطرح الإيجابي هي التي أدركت أهمية الدور الذي يلعبه المغرب بالنسبة لاستقرار الاتحاد وتأمين حدوده الجنوبية. إسبانيا تستوعب جيدا حجم التضحيات التي يقدمها المغرب من أجل الوفاء بالتزاماته تجاهها وتجاه شركائه الأوربيين. لأجل ذلك فمن غير المستغرب أن يدعو رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع بلادنا قبيل انعقاد قمة بين البلدين الأسبوع القادم.
هذا الموقف ليس مجرد تصريح دبلوماسي يسبق لقاء مرتقبا بل هو وعي إسباني صريح بدور المغرب الحاسم في الحد من تدفقات الهجرة نحو السواحل الإسبانية. وبيدرو سانشيز يعي أن المغرب يبذل جهودا استثنائية لتحقيق هذا الالتزام. فالأعداد الهائلة من المهاجرين السريين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء لا يمكن تخيلها ولا استيعابها. المغرب يتحمل كل هذا الضغط الديمغرافي على حساب أمنه واستقراره وتنميته الخاصة ليفِي بالتزاماته مع الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن هذا الأخير لا يفي دائما بالالتزامات المالية واللوجيستيكية الموجهة لدعم المغرب في مواجهة موجات الهجرة السرية.
وعلى الرغم من كل هذه التضحيات الاقتصادية والأمنية التي يقدمها المغرب لم يتردد بعض النواب في البرلمان الأوروبي في إثارة ملفات تآمرية ضد بلادنا بتوظيف سياسوي خبيث لورقة حقوق الإنسان والحريات، في الوقت الذي كان ينبغي على هذا البرلمان أن ينشغل بأولويات أمنية واقتصادية تشق الصف الأوربي في الوقت الراهن وتهدد تماسكه وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية. ويبدو من هذا الانزياح الأوروبي الموجه ضد المغرب أن الاتحاد لا يدرك الحجم الحقيقي للأزمة الإنسانية الواقفة على سواحله الجنوبية. ما يتصدى له المغرب اليوم من ضغوط ديمغرافية هائلة لا يمكن لدول مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا أن تتحمله. ويتحمله المغرب على الرغم من إمكاناته الاقتصادية واللوجيستيكية المحدودة.
هل يعتقد الأوروبيون أن ما يصلهم اليوم من قوارب المهاجرين السريين ليخلق أزمة سياسية داخلية في جل الحكومات الأوروبية يمثل حقيقة التدفقات البشرية القادمة من القارة السمراء؟ ما يتم رصده ليس سوى غيض من فيض الانفجار الديمغرافي الإفريقي حيث أكثر من سبعين بالمائة من السكان هم من فئة الشباب. يريد الأوربيون استغلال افريقيا ونهب خيراتها ولكنهم لا يريدون تحمل التبعات الاجتماعية والإنسانية لهذا النهب والاستغلال. وعندما ينجح بلد مثل المغرب في خلق دينامية اقتصادية افريقية-افريقية في إطار التعاون جنوب-جنوب تثور ثائرة بعض القوى الاستعمارية وتنسج المؤامرات من أجل الحد من نمو وصعود قوة إفريقية محلية كالمغرب.
إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد فعلا الحد من تدفقات الهجرة فإن عليه أولا أن يسمح للحكومات الإفريقية بالانعتاق من التبعية المطلقة لِدوله. أن يتوقف عن وضع العراقيل السياسية والأمنية والاقتصادية أمام فرص التعاون الإفريقي. أن يترك للأفارقة فرصة تنمية بلدانهم بمجهوداتهم الذاتية بعيدا عن الاستغلال والتوجيه الذي يسير في اتجاه واحد، هو إعادة إنتاج أنماط وأنظمة اقتصادية فاشلة وتابعة للقوى الاستعمارية، ليست قادرة على رفع تحديات المرحلة وتوفير شروط الاستقرار الاجتماعية لشعوبها.
وعندما يكون هناك نموذج ناجح وواعد لهذا النجاح كما هو الحال بالنسبة لبلادنا فإن المتوقع من الاتحاد الأوروبي هو أن يتخذ خطوات داعمة تعزز هذه التجربة وتضمن لها الاستمرارية والمزيد من التطور. من مصلحة القارة الأوربية أن يكون هناك مغرب حر ومتقدم وديمقراطي يقود قاطرة التنمية في القارة الإفريقية ويعطي النموذج لباقي الحكومات في المنطقة بأن هناك أملا غير الهجرة السرية وقوارب الموت.