المواطن

طرائف المحكمة: عوض أداء الرسوم الجزافية.. عجوز “بغيت نخلّص الزفزافي” (الحلقة 2)

الدار/ عفراء علوي محمدي

كثيرا ما تشهد المحاكم طرائف و"قفشات" واقعية تكاد تتحول إلى نكت، ما يجعل بعض الظرفاء بمختلف دول العالم يخصصون جوائز سنوية لأحسن الأحداث القضائية طرافة وغرابة.

ولا تسلم المحاكم المغربية من هذه النوادر التي لا يعاينها، في الغالب، سوى القضاة والمحامون بفعل احتكاكهم اليومي بالمجال، بالإضافة لبعض الشهود العيان الذين حضروا تفاصيلها وأحداثها، بينما تبقى بعيدة على مرأى ومسمع أغلب المواطنين.

في هذه السلسلة، يعمل موقع "الدار" على نقل أكثر القصص القضائية طرافة وغرابة على لسان مجموعة من المحامين، يرونها بسخرية وخفة دم طيلة شهر رمضان، وهي الأحداث التي تبدد، بشكل سحري، طابع جلسات المحاكم الجدي، وتجعل مواقفها قريبة إلى الطرافة منها إلى الريبة والصرامة.

يحكي محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط، عن قصة سيدة أمازيغية تجاوزت الستين من عمرها تدعى الحاجة فاطمة، عرفت في الأوساط القضائية بخبرتها في إجراءات المحاكم والقانون، على الرغم من أنها لا تجيد القراءة والكتابة، ولم تحظى قط بأي تكوين في المجال القضائي.

وأكد ألمو، في حديثه إلى موقع "الدار"، أن السيدة، التي كان ينوب عنها في قضية تتعلق بجنايات العنف، أواسط سنة 2017، محبوبة لدى جميع موظفي المحكمة الابتدائية بالرباط، من إداريين ورجال قانون، وذلك لأنها "تحاول ما أمكن التحدث مع الجميع، بلباقة وأدب، لسؤالهم عن بعض القضايا القانونية، بدافع الفضول المعرفي، إلى درجة أصبحت متمكنة من مختلف الأمور القضائية، بل وقد أصبحت تمتلك، بشكل أو بآخر، شبه خبرة في المجال"، على حد قول المحامي المذكور.

وقد حتمت الظروف على السيدة الأمازيغية، التي تنحدر أصولها من الجنوب الشرقي للمملكة، مباشرة مجموعة من الدعاوى القضائية المختلفة، "وكما كانت حريصة على حضور جميع الجلسات، وإن كانت في بعض الحالات مجرد ضحية، وليست مجبرة على حضورها جميعا، خصوصا منها الجلسات الأولى"، على حد تعبير ألمو.

وزاد المحامي يقول: "كانت الحاجة فاطمة حريصة على فهم المقتضيات القانونية، وفي الغالب كانت تطرح علي مجموعة من الأسئلة من قبيل "من هو المطالب بالحق المدني؟ ما هي المادة 6؟ ما هي الدفوع الشكلية؟"، وإن كان الأمر متعلقا بمقتضيات قانونية لا داعي لشرحها".

وكانت السيدة، حسب ألمو، حريصة على تسمية الأشياء بمسمياتها، وحفظ كل المصطلحات القانونية واستعمالها في وضعها الصحيح، وبسبب ذلك تعرضت لموقف طريف أضحك جميع موظفي المحكمة الابتدائية، ليصبح بعد ذلك نكتة مشهورة يرددها الجميع، يقول المحامي: "في ملف كانت فيه الحاجة فاطمة مطالبة بالحق المدني، وهو الملف الذي تزامن عرضه مع ملف ناصر الزفزافي، معتقل أحداث الحسيمة، أوصينا السيدة بضرورة أداء الرسوم الجزافية، فذهبت مسرعة إلى صندوق الأداء، في محاولة منها للاحتفاظ بالمصطلح في ذهنها لنطقه بشكل سليم، إلا أنها قالت للشباكي، بصوت خجول: "الله يرحم ليك الوالدين بغيت نخلص الزفزافي !!".

وأكد ألمو أنه منذ ذلك الحين، ولشهرة الحاجة فاطمة وطيبتها، أصبح الجميع في إدارة المحكمة الابتدائية بالرباط يسمي الرسوم الجزافية بـ"الرسوم الزفزافية"، ويمازحون بهذه التسمية السيدة التي شعرت بشي من الخجل، محاولة عبثا تصحيح الكلمة ونطقها بشكل صحيح.

وعلى الرغم من ذلك، يشهد المتحدث بكفاءة السيدة، معتبرا أنها "كانت لتكون امرأة قانون محنكة لو أن الظروف نصفتها، واستطاعت أن تتلقى تعليمها، وتتابع دراستها إلى بلوغ المستويات التعليمية المعمقة في مجال القانون الذي تعشقه بجنون"، على حد قوله.

وليس هذا فحسب، "فدرايتها القانونية بالقضايا المدنية والجنحية كانت تعطيها الرغبة في التعقيب على أقوال رئيس الجلسة وممثل النيابة العامة ودفاع الخصم، بل وكانت تحاول التعقيب حتى على بعض الأحكام القانونية النهائية التي تصدرها المحكمة"، يقول ألمو، قبل أن يستطرد: "كنت أحذرها من ذلك في كل مرة أرادت التكلم وسط الجلسة دون إذن، وأشرح لها أن وضعيتها لا تسمح لها بمناقشة مثل هذه الحيثيات، وعلى الرغم من امتثالها لنصيحتي، إلا أنها تصر على التعقيب والتعليق على كل ما جاء في الجلسة بمجرد أن ننتهي منها".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى