ظهور اسم “MAK”جريمة لا تغتفر وتسليح البوليساريو مسألة فيها نظر
ظهور اسم الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل بصيغته المختصرة “MAK” على جدار في مشهد مسلسل تلفزيوني يثير غضب الكابرانات، ويستفز كبريائهم المزعوم، إلى درجة دفعت هيئة ضبط السمعي البصري إلى توجيه استفسار للتلفزيون العمومي الذي يبث المسلسل في إطار برامج شهر رمضان. الخبر يُظهر إلى أي حد يعيش نظام الكابرانات حالة انفصام تامة عن الواقع الجزائري، ويتجاهل بشكل غير مفهوم المطالب المشروعة لفئة واسعة من الشعب الجزائري، الأعرق والأقدم في المنطقة، ويريد ببلاغ أو بيان صادر من هذه الهيئة أو غيرها أن يتجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا، التي تؤكد منذ الأزل أن شعب القبائل شعب حر ومستقل لا يمكن هضم حقوقه.
يوم الخميس الماضي راسلت هيئة ضبط السمعي البصري في الجزائر التلفزيون العمومي من أجل طلب توضيحات عن مشهد في مسلسل بعنوان “الدامة” يظهر فيه اسم حركة “MAK” وهو يزين جدارا بأحد الأسواق بالعاصمة. ووصف بلاغ الهيئة هذا الرمز بأنه يمثل “اسم حركة انفصالية مصنفة إرهابية”، مؤكدا أنه “سيتخذ الإجراءات اللازمة على ضوء ما سيقدمه التلفزيون من توضيحات”. لكن ما سكت عنه هذا البلاغ أهم بكثير مما ذكره. لقد سكت عن مسألة غاية في الأهمية، وهي أسباب وتفسيرات ظهور اسم حركة الماك في حي شعبي بالعاصمة الجزائرية مثل حي باب الواد. ليس هذا الأمر طبعا مقصودا من مخرج العمل التلفزيوني، وإنما هو توثيق واقعي للجداريات التي تزين أغلب شوارع وأحياء الجزائر العاصمة.
ظهور هذا الرمز في قلب باب الواد علامة على أن حركة الماك ليست مجرد جماعة انفصالية إرهابية كما يحلو لنظام الكابرانات تسميتها، وإنما هي تيار جارف يسكن في قلوب الكثير من الجزائريين على مدى الرقعة الجغرافية للبلاد. والدليل على ذلك أن هذا الرسم لم تلتقطه الكاميرات في تيزي أوزو أو في قرية من قرى القبائل الجبلية، وإنما في قلب أشهر حي بالعاصمة الجزائرية. في هذا الحي يوجد الكثير من الجزائريين من أصول قبائلية ولا يزالون يحملون في قلوبهم إيمانا راسخا بعدالة قضية تقرير مصير الشعب القبائلي ويدافعون عن حريته، ولعل التعبير بالغرافيتي أو الجداريات يمثل في أوساط الشباب الجزائري وسيلة ذات غايات سياسية معروفة.
الحديث عن الانفصال إذن هو مجرد تمويه من الكابرانات على القضية الحقيقية التي يتفادون مواجهتها بشجاعة وجرأة. هذه القضية العادلة التي تمتد لمئات السنين باعتبار الشعب القبائلي يمثل أعرق الشعوب بمنطقة شمال إفريقيا. كما أن وصف حرك الماك بالحركة الإرهابية مغالطة صارخة للتاريخ والواقع، إذ لم يثبت أبدا تورط هذه الحركة في أي عمل إرهابي معروف. الجانب الآخر المسكوت عنه في بلاغ هيئة ضبط السمعي البصري في الجزائر هو هذه المفارقة الغريبة في سلوكات الكابرانات ومواقفهم. كيف يشعر هؤلاء بالاستفزاز وتثور ثائرتهم لمجرد ظهور رمز لحركة تحررية في مسلسل تلفزيوني لثوانٍ معدودة ولا يرون أن ميليشيا مسلحة مثل البوليساريو تورطت في قتل الآلاف من الأبرياء تستحق أيضا أن توصف بالحركة الانفصالية الإرهابية؟
إنها سياسة الكيل بمكيالين التي يتقنها الكابرانات ويغرقون في تبعاتها وتداعياتها منذ عقود طويلة. يتم هضم حقوق أقدم شعب في المنطقة ومنع أبنائه من مجرد كتابة رمز حركته الأساسية على الجدران، بينما يتورط الكابرانات في تسليح وتمويل حركة إرهابية قتلت مدنيين وجنودا مغاربة وتسببت في صراع تخريبي طال لعقود وتسعى لتقسيم بلد جار وشقيق يتمتع بسيادته وله تاريخه وجغرافيته المعروفة. ظهور رمز “MAK” في لقطة عابرة جريمة لا تغتفر في منطق الكابرانات، أما شراء الصواريخ والقنابل والمدرعات والطائرات المسيرة لميليشيا مدربة على القتل والتخريب مسألة فيها نظر.