المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يدعو إلى التكفل بضحايا السلوكات الإدمانية
كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن معطيات وأرقام صادمة حول السلوكيات الإدمانية للمغاربة، خاصة الإدمان على التدخين واستهلاك الكحول والمخدرات بمختلف أنواعها، كما تطرق إلى الإدمان على ألعاب القمار والرهان، والاستخدام المرضي للشاشات وألعاب الفيديو والأنترنت.
ويتناول التقرير الذي أعده المجلس حول موضوع «مواجهة السلوكات الإدمانية: واقع الحال والتوصيات»، ظاهرة الإدمان في المغرب.
كما يستعرض هذا التقرير التعاريف الدولية للإدمان، ويتناول تنوع أشكاله، ونطاق انتشاره ومدى خطورته في المملكة، ويقترح جملة من التوصيات.
وخلص التقرير ذاته إلى أن “الحقائق والمعطيات المستخلصة من واقع الحال حول الإدمان بالمغرب مثيرة للقلق، لاسيما أن السلوكيات الإدمانية لا يتم الاعتراف بها بالقدر الكافي، ولا يتم التكفل الفعلي بها من قبل هيئات الحماية الاجتماعية ومعالجتها بوصفها أمراضا”.
وأشار التقرير إلى أنه، بالنظر إلى أن المواد والخدمات غير المحظورة التي تنطوي على خطر إدماني كبير تولد رقم معاملات يمثل حوالي 3 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي (أزيد من 30 مليار درهم) وتمثل أكثر من 9 في المئة من المداخيل الجبائية للدولة، فإن التقرير يوصي بتوجيه نسبة مهمة ودائمة من المداخيل المحصلة من المواد والأنشطة والخدمات المتسببة في الإدمان نحو العلاج والبحث والوقاية.
وأورد التقرير معطيات حول السلوكيات الإدمانية للمغاربة، مشيرا إلى أن حجم تعاطي المواد ذات التأثير النفسي والعقلي يقدر بـ 4.1 في المئة، وأن الاستهلاك المفرط للمخدرات والإدمان عليها يقدر بـ 3 في المئة، وأن الإفراط في استهلاك الكحول يناهز 1.4 في المئة. وحسب دراسة إقليمية أنجزت في سنة 2016، فإن عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن في المغرب قدر بـ 18.500 شخص؛ مع تسجيل معدل انتشار مرتفع في صفوف الأشخاص المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة (11.4 في المئة)، والالتهاب الكبدي (57 في المئة).
وأبرز التقرير أنه يوجد في المغرب 6 ملايين مدخن، منهم 5.4 ملايين من البالغين ونصف مليون من القاصرين دون سن 18 سنة، ويتم استهلاك 15 مليار سيجارة كل سنة، علماً أن محتوى السجائر في المغرب من النيكوتين والمواد السامة أعلى من الكمية الموجودة في السجائر المرخصة بأوروبا، كما أن 35.6 في المئة من الساكنة معرضة للتدخين.
وأكد التقرير أن تعاطي المؤثرات العقلية في صفوف المراهقين المتمدرسين لا يقل خطورة، بحسب آخر البحوث التي أنجزتها وزارة الصحة حول هذا الموضوع، وفي هذا الصدد، يبلغ معدل انتشار تعاطي التبغ 9 في المئة، كما أن 7.9 في المئة من التلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 13 و17 سنة هم مدخنون، 63.3 في المئة منهم بدأوا التدخين قبل بلوغ سن 14، وصرح 9 في المئة من المستجوبين أنهم استهلكوا القنب الهندي مرة واحدة على الأقل في حياتهم (64 في المئة بدأوا في استهلاكه قبل بلوغ سن 14)، وأفاد 13.3 في المئة من المستجوبين أنه سبق لهم أن جربوا استخدام الكحول، بينما صرح 5 في المئة منهم أنه سبق لهم استهلاك المؤثرات العقلية، كما أن 1.4 في المئة منهم سبق لهم استهلاك الكوكايين.
وحسب تقديرات الفاعلين في مجال ألعاب الرهان، يضيف التقرير، فإن ما بين 2.8 إلى 3.3 ملايين شخص يمارسون ألعاب الرهان والقمار في المغرب، علماً أن 40 في المئة منهم يعتبرون معرضين لخطر الإفراط في اللعب المضر بمصالحهم.
وتطرق التقرير إلى الاستخدام المرضي للشاشات وألعاب الفيديو والأنترنت الذي أصبح يتنامى بشكل كبير، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن هذه الإشكاليات لا تحظى بالاهتمام حالًيا على مستوى منظومة الصحة العمومية، فقد أظهرت دراسة وبائية أجراها مكتب دراسات خاص سنة 2020 على عينة تضم 800 مراهق تتراوح أعمارهم بين 13 و19 سنة بمدينة الدار البيضاء، أن 40 في المئة يستخدمون الأنترنت بشكل يخلق لهم العديد من المشاكل وأن حوالي 8 في المئة يوجدون في وضعية إدمان.
وبناء على ذلك يدعو التقرير إلى توجيه نسبة مهمة ودائمة من المداخيل المحصلة من المواد والأنشطة والخدمات المسببة في الإدمان نحو العلاج والبحث والوقاية.
في هذا الصدد، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تخصيص 10 في المائة من المداخيل المحصلة سنويا من المواد والأنشطة المسببة للإدمان للعلاج.
وتعتبر الوثيقة ذاتها أن “قطاع السلع والخدمات التي قد تتسبب بشكل كبير في الإدمان اكتسب حجما مهما وذا طابع بنيوي ومثير للقلق في الاقتصاد الوطني والمالية العمومية”.
وكمثال على ذلك، أشار التقرير إلى أن رقم معاملات التبغ المقدر بـ17 مليار درهم في 2021 يساوي 5 أضعاف الميزانية التي ترصدها وزارة الصحة للاستثمار.
من جهة أخرى، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام مواد معينة أو بدونها، بوصفه مرضا قابلا قانونيا للتكفل به من طرف هيئات الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية، كما طالب بمراجعة الإطار القانوني من أجل حماية ورعاية الأشخاص المدمنين، وتعزيز منظومة العقوبات ضد المتاجرين بالمخدرات والمواد المحظورة، ووضع مخطط وطني للوقاية من الإدمان ومكافحته في الوسطين المهني والتربوي وفي المجتمع بصفة عامة، وإحداث هيئة وطنية عليا مستقلة للتقنين التقني والأخلاقي، ومراقبة أنشطة المؤسسات والشركات العاملة في مجال المراهنات والقمار.