كم استنزف النقاش حول ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية في بداية شهر رمضان الفضيل؟ كم من الطاقة والوقت والجدل أخذ من مختلف الفاعلين السياسيين والإعلاميين ومن الرأي العام ونشطاء الفيسبوك؟ من الواضح أننا أضعنا الكثير من الوقت فيه، وبعد فترة وجيزة، تبدأ أسعار أغلب هذه المواد في العودة إلى مستوياتها الطبيعية، والاستقرار في الأسواق. ألم نكن واعين حينها بأننا أمام زيادات ظرفية عابرة، وأن علينا التركيز على الأهم؟ هذا للأسف هو الدور الذي ينبغي أن يضطلع به الفاعل السياسي والحزبي، وعلى رأسه الفاعل السياسي المعارض في بلادنا لكنه لا يقوم بذلك.
ما رأي أولئك الذين كانوا يصورون مستقبل المغرب بأنه غامض وإلى انهيار بعد ارتفاع أسعار البصل والطماطم والبطاطس؟ ها هي ذي الأسعار تعود إلى مستوياتها الطبيعية بعد الوفرة التي سجلتها الأسواق وعقب الإجراءات التنظيمية والرقابية التي اتخذتها حكومة عزيز أخنوش، وبفضل الدفء الذي بعثته أيضا شمس الربيع في حقول الإنتاج في مختلف مناطق المملكة. هذه الأزمة العابرة التي كاد البعض يحوّلها إلى أزمة القرن، عبّرت بوضوح عن النضج الذي يفتقده الفاعل الحزبي والسياسي ببلادنا. للأسف لا يزال منطق المزايدات والانتهازية مسيطرا على عقليات الكثير ممن يتصدرون مشهد المعارضة، أو حتى المشهد التحليلي الإعلامي، وهم يقاربون قضايا اجتماعية حساسة من هذا النوع.
بعضهم مدفوعون بالبحث عن المشاهدات والجري وراء أرباح “الأدسنس” ويوظفون المزايدة والشعبوية كوسيلة للتربح والاغتناء، وهم معروفون في المجال الإعلامي وفي العالم الافتراضي. لكن المستغرب أن يصدر مثل هذا السلوك حتى عن بعض الأحزاب السياسية والقيادات الحزبية التي راكمت من الخبرة ما يكفي حتى تتجاوز السقوط في مثل هذه المطبات، وتتريث قليلا من أجل اتخاذ مواقف مبنية على العقلانية والمنطق، لا عبارة عن ردود أفعال عابرة وانفعالية. لقد وجدنا أنفسنا طيلة الأسابيع الماضية منشغلين بأخبار الطماطم، التي انخفضت أسعارها اليوم إلى حدود 3 دراهم للكيلوغرام، بينما كان من المفروض أن يحتل النقاش الماكروسياسي المشهد الوطني، خصوصا أن الحكومة الحالية على أبواب تنزيل برامج اجتماعية واقتصادية حاسمة ومصيرية.
ماذا لو تحوّل النقاش العمومي من الحديث عن أسعار المواد الأساسية التي ترتفع وتنخفض حسب الظرفية إلى النقاش حول مشروع تعميم الحماية الاجتماعية ومدى توفر الإمكانات الكافية لتنزيله، والأهداف الاستراتيجية التي سيحققها والتمويل الذي سيخصص له. أليس هذا النوع من النقاشات السياسية العامة أكثر جدارة بالاهتمام من طرف الفاعلين الحزبيين لكي يدلوا بدلوهم فيه، ويسهموا من موقعهم مع الحكومة الحالية في إنجاح هذا الورش الملكي الكبير. ثم ألا يستحق التحوّل الصناعي للمغرب نحو صناعات جديدة وبدائل طاقية مختلفة كمشروع وطني كبير أن يحظى أيضا بأولوية الاهتمام لدى مختلف الفاعلين السياسيين والإعلاميين والمدنيين في بلادنا.
نحن لا نقصد هنا منع الناس أو من شاء من مناقشة أي موضوع يريده، لكن من غير المفيد أبدا تحويل موضوع ظرفي إلى قضية وطنية تشغل بال الرأي العام، وتحوّل أنظاره عن الاهتمامات والأوراش الحقيقية التي يتم التقدم فيها على قدم وساق من طرف الحكومة، في مجالات البنيات التحتية والصحة وتشجيع الاستثمار وتأهيل الاقتصاد الأزرق وغيرها من المشاريع الوطنية والملكية المستقبلية. لقد تبين أن ارتفاع أسعار بعض المواد مرتبط فقط بتغير نمط الاستهلاك في شهر رمضان الكريم، وأن المغرب الذي استطاع أن يمون شعبه، بل وشعوبا أخرى من العالم بالغذاء طوال فترة جائحة فيروس كورونا قادر على تلبية احتياجات أبنائه اليوم مما يلزمهم بعيدا عن التوظيف السياسي أو الاستغلال الانتخابوي الضيق.