بصمات فضالية: الحلقة الثامنة مع الكوميدي محمد امهيول
الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
—–
بصمات فضالية: محمد امهيول بين مطرقة الفقر وسندان المرض
لم يكتب للفنان الكوميدي الساخر محمد امهيول، ما كتب لغيره من رواد عالم فن الفكاهة. من يسر في تدبير حياة أفضل له ولأسرته الصغيرة. فبعد أزيد من 38 سنة من الغوص في كل أنواع السخرية والتمثيل والإبداع. لازال امهيول يعاني الفقر والحاجة.. بلا منزل، ولا دخل مالي قار، ولا أدنى اهتمام لفنان مخضرم، عايش عدة أجيال. ولازال يفرض سخريته التقليدية والهادفة… يضاف إليه مجموعة أمراض، لم يعد قادرا على مقاومتها. ولا حتى تدبير مصاريف الأدوية لوقف زحفها.. مرضا الضغط الدموي والسكري باتا صديقان ملازمان له.. بينما بات شبح العمى يتربص به.. بعدما سبق وفتك بوالديه. وضع مهيول، يؤكد أن الفن يأكل أبنائه وبناته، عندما يدير المجتمع والحكومة ظهرهما لفئة من النجوم. ويصبح هؤلاء عرضة للتشرد والضياع. يقتاتون من دعم فتات المحبين والأصدقاء.وعندما تعجز هذه الفئة على توفير موارد مالية لتدبير سكن. وتغطية مصاريف يومية للأسرة.
فرحة امهيول عند المناداة عليه من أجل أي عمل فني أو مناسبة، تقابلها حسرة عدم توفره على ملابس في مستوى الحدث. مما يجعله يلجأ إلى بعض الأصدقاء من أجل استعارة قميص أو سروال أو بذلة، أو قرض مالي من أجل شراء بعضها.
طريفة مؤلمة
كشف فنان مدينة الزهور أنه حاول مرة، العمل كبائع متجول للخضر، لكنه فوجئ بجمهور من الناس، يحاصره، وهم يظنون أنه بصدد تصوير مشهد تلفزيوني. قال إنهم (تركوني واقفا لوحدي … وضلوا يبحثون عن الكاميرات، ورفضوا التبضع من عندي ضنا منهم أنني سأوقعهم في الكاميرا الخفية.
شكلا ثنائيا رائعا إلى جانب الكوميدي بوشعيب السفاج
شكل في بداية حياته الفنية، ثنائيا فريدا من نوعه إلى جانب الكوميدي المحبوب بوشعيب السفاج، وتمكنا من فرد بصمتهما الفنية بالمباشر أو من خلال سهرات قنوات القطب العمومي . لكنهما فكا ترابطهما وفضل كل واحد أن يبدع في سماءه.
سيرة ومسيرة كوميدي نادر
من لا يعرف مهيول الذي لعب إلى جوار عمالقة الفن الساخر المغربي والعرب في مسرحيات عدة. كما شارك في مسلسلات وسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية قصيرة . وأخرج شرائط ساخرة (كاسيط، سيدسيات). وشارك في سهرات وطنية وعربية. كما نظم سهرات لفائدة الجنود المغاربة بالصحراء المغربية.
يمكن القول أن سنة 2019، أنعشت نوعا ما الفنان امهيول وأعادته إلى الواجهة الإعلامية. من خلال فرقة (سبعة رجال) التي يرأسها الفنان المتألق الشرقي سروتي. وكذا من خلال مشاركته في السلسة الرمضانية (همي ولد عمي) التي تعرض حاليا بالقناة الأولى، بالإضافة إلى مشاركته في بطولة مسرحية (علاش لا).
مهيول وشبح العمى
نجا محمد مهيول من شبح العمى الذي طارده في السنوات الأخيرة، بعد أجرى عملية جراحية ناجحة بدعم من بعض المحسنين. أعادت إليه البصر وفرحة الانتعاش من جديد وسط أسرته الصغيرة. حيث تأكد بعد أن أجرى فحوصات طبية أن بصره يقل تدريجيا. وخصوصا عينه اليمنى التي بات شبح العمى يلاحقها. ونصحه الطبيب بضرورة الإسراع بإجراء عملية جراحية من أجل إعادة جزء من البصر، أو على الحفاظ على الأقل على ما تبقى منه. لكن مهيول لازال مهددا بالعمى في عينه اليسرى.
ولازال ينتظر من يدعمه لإجراء عملية جراحية ثانية. تضاف معاناته مع مرضي عينيه، إلى ما يعانيه من جراء مرضين مزمنين. ويتعلق الأمر بمرض ضغط الدم ومرض السكري. حيث فرض عليه مداومة العلاج اليومي. أصيب بهاذين المرصين بسبب كثرة التفكير في مصير أطفاله وحالة البؤس التي يعيشها.
وسبق أن وجه الكوميدي المحبوب نداء استغاثة، بعد أن بدأ يفقد بصره تدريجيا. وأصبح في حاجة ماسة لعملية جراحية. مؤكدا أنه لا يملك المال لإجراءها. كما سبق وعانى الأمرين قبل أن يتدبر من يجري له عملية جراحية دقيقة لاستئصال قطع من الحصي تشكلت داخل كليتيه ومثانته.
بسبب قلة الفقر فكر في الانتحار
سبق للكوميدي المخضرم أن قاده اليأس من تدبير أموال كافية لعمليته الأولى، إلى التفكير في الانتحار. بسبب قلة الموارد المالية وعجزه عن توفير متطلبات الزوجة وطفليه (ياسين وحمزة). وكذا بعد أن فقد ثقته في بطاقة الرميد التي أعدها من أجل تمكينه من العلاج. كما سبق وأشار إلى أنه لن يتردد في افتراش (كارطونة) قبالة المسجد لكي يتدبر المبلغ اللازم للعلاج.
مهيول صاحب التدوينات المزعجة للسلطة والمنتخبين
رغم فقرة وحاجة الكوميدي الساخر إلى الدعم والاهتمام والتقدير لما قدمه في عالم فن الكوميديا والتمثيل. إلا أنه مهتم أكثر بمشاغل وهموم ومآسي الناس. فقد انتفض في فترات من أوقات فراغه، ليحمل دور الفنان المناضل المدافع عن الشأن المحلي للمدينة. حيث داوم نشر عدة تدوينات وتسجيلات فيديو ينتقد فيها اختلالات وتجاوزات محلية. مطالب بإنصاف الساكنة الفضالية. والتي لقيت استحسانا وامتنانا من طرف المتضررين، لكنها كانت سبب في تهميشه من طرف بعض الجهات غير الراضية على ما كان يقوم به من نقد واحتجاج.
مهيول بلا سكن
لم يتمكن مهيول من تدبير المبلغ المالي اللازم لاقتناء منزل صغير، يحضن أسرته الصغيرة. بدلا من تلك البناية العشوائية (36 متر مربع)، التي تأوي الأسرة مؤقتا فوق سطح منزل الذي يعود للراحل والده الذي عاش بدوره معاناة فقدان البصر. لم يعد يجد القوة للحفاظ على الوجه البشوش ولا استقامة قامته الطويلة التي يطل بها على الجمهور، عبر المسرح والتلفزيون والسينما. أعطى كل ما لديه لفن الكوميديا والتمثيل، لكن بالمقابل لم يستفد من أية شيء. البطاقة المهنية التي لا تفارق جيبه، لم تؤمن له أي حماية طبية أو غذائية ولا أعمال فنية تدر عليه المال بشرف وكرامة.
اضطر إلى إعداد بطاقة الرميد له ولأسرته، لكن هذه الأخيرة غير مجدية، مادام أنها لا تؤمن له الأدوية والعلاج . وأشار أنه يسكن في (دار الورثة)، إلى أنهم ثلاثة أشقاق وشقيقتين، أصبح لدى كل واحد منهم أسرة يرعاها، وكلهم يعيشون تحت سقف منزل والده المريض. وهو سقف يحمينا مؤقتا، لأن لا أحد يعرف ما قد يقع في المستقبل. لم يشأ التوقف عن سرد ما يعيشه من مرارة بسبب الفقر، حيث أكد والدموع تغرق عينيه،
تبخر مبادرة شراء شقق للفنانين
تعرض الفنان الساخر لعملية نصب واحتيال رفقة فنانين وفنانات، بعد أن تلقوا وعودا بتدبير شقق لهم. المبادرة التي كانت قد انطلقت قبل سنوات بمدينة الدار البيضاء. حيث تم تحديد لائحة الفنانين والفنانات المعنيات، وتم تنظيم سهرات واحتفالات، وتلقت اللجنة المنظمة أموالا طائلة، لكنها اختفت، كما اختفى المشرف على المبادرة فجأة، وحديث عن رحيله إلى خارج أرض الوطن. قال مهيول إنه لولى بعض الأصدقاء الذين يتفقدونه بين الفينة والأخرى لما استطاع إتمام مشواره كرب أسرة… الجزار والخضار والبقال و سائقو التاكسيات… وآخرون)، ناذرا ما يطلبون منه أجر السلع والخدمات… لعلمهم بأحواله المادية المتدنية.
سخاء اللصوص مع الفنان الساخر
منتهى كرم وسخاء اللصوص ما عاشه الفنان الساخر محمد امهيول أخيرا مع ثلاثة لصوص اعترضوا طريقه بباب أحد الأسواق الأسبوعية ضواحي الدار البيضاء. قدموا إليه أنفسهم على أنهم لصوص. وأظهروا له إعجابهم بأسلوبه الكوميدي. امهيول أكد لهم أن لديه 200 درهم، مستعد لإعطائها لهم مقابل عدم تعنيفه. وحكا لهم بأسلوبه الساخر كيف كان ينوي صرفها.. وجبة غذاء من الكباب وشراء كمية لحم لأسرته والنقل. ودع الفنان اللصوص، وأحدهم يؤكد له مدى الحب الذي تكنه له والدته.
تنفس امهيول الصعداء بعد اختفائهم. وتابع سيره بأزقة السوق وانشغل بكثرة المعجبين الذي كانوا يستوقفونه في كل مرة من أجل تحيته و التقاط صور معه. قبل أن يصل إلى هدفه الأول (الجزار بائع الكبد)، وقبل أن يبادر إلى طلب كمية نيئة. كان الجزار يمد له كيسا بلاستيكيا به كمية من الكبد. وقال له إنها هدية من أصدقائه.
انتقل بعدها إلى محل الشواء. ليفاجأ بصاحب المحل يسارع لأخذ الكيس من يده. وقال إن أصدقائه سبقوه. وأدوا كل ما يتعلق بالشواء والطماطم والبصل والشاي والخبز. تناول امهيول وجبة الغذاء. وعرج إلى الجزار من أجل شراء كمية من اللحم لأسرته الصغيرة. فعاد الجزار ليفاجئه بكيس ثان من اللحم، تركه له أصدقائه. ليدرك فيما بعد أن الأمر يتعلق باللصوص الثلاثة الذين اعترضوه عند مدخل السوق.
هؤلاء هم لصوص بسطاء، اختاروا العمل وفق حديث نبوي شريف (.. أتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا..). رغم ما قد يثار من جدل حول المال الحلال أوالحرام..علما أن ببلادنا لصوص كبار من فئة خمسة نجوم لا يمتلكون الوقت للتفكير في التكفير عن اختلاساتهم التي يروح ضحيتها يوميا شعب بأكمله.. الأكيد أننا لن نتمكن من تطهير العفن والقذارة والخبائث، لأن تنظيفها يعني اختفاءها.