المواطن

بصمات رمضانية: الحلقة التاسعة مع “الطرواسي” أول بطل مغربي في الملاكمة

الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي

لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات.. 

مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة..  مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.          

نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.

نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..

—–

بصمات رمضانية..  ثمان بطولات للمغرب وبطولة عربية

كشف تنقيب موقع الدار عن شخصية رياضية في عقدها الثامن، تركت بصمات واضحة على المستوى الوطني والعربي، شخصية تعتبر أول من حظيت بالتتويج ببطولة المغرب، والبطولة العربية في رياضة الملاكمة صنفي الذبابة والديك. ويتعلق الأمر بالبطل النجم محمد الزياتي المعروف بلقب(الطرواسي)، والذي فضل التواري عن الأنظار والانزواء بعيدا عن كل ما هو رياضي. بعدما أدار المشرفون على الرياضة ظهورهم عنه. وتم تغييبه في كل محافل الامتنان والعرفان والالتفاتات المفروض أن يحظى بها وسط مدينته المحمدية ووطنه المغرب. 

رصيد قياسي من البطولات في تاريخ المغرب

من يلتقيه اليوم، ويقف على وضعه المعيشي، يقف مذهولا غاضبا، لعدم إنصاف بطل يعد الأول من نوعه على الصعيد الوطني. فقد كان أول مغربي  حصل على ثمان بطولات للمغرب، كانت أولى سنة 1961، في صنف الذبابة. وهي السنة التي فاز بها بالميدالية الذهبية على صعيد البطولة العربية.  واستمر يتقلد عرش هذه الفئة وطنيا لمدة ستة سنوات. قبل أن ينتقل سنة 1968 إلى صنف الديك، ويحقق التتويج الثامن لبطولة المغرب. ولازال يتصدر عدد المتوجين بهذا الرقم القياسي الوطني.  

مصدر لقب.. الطراوسي 

يحكي البطل الزياتي، عن اختفاء لقبه الحقيقي المسجل بالحالة المدنية. وبروز لقب جديد أصبح الكك يعرفه به. وهو الأكثر تداولا حينها بين كل عشاق رياضة الملاكمة. وربما هو الاسم الذي جعله حال دون استمرار الاهتمام برصيده التاريخي. حيث تسجل البطولات والمنجزات رسميا باسم الزياتي، فيما كان يهتف باسم (الطرواسي) من طرف الجماهير الغفيرة التي كانت تتابع منافساته. ومعها وساءل الإعلام التي كانت تعطي حيزا كبيرا للطرواسي. وتنسى الاهتمام باللقب الحقيقي الزياتي 

قال الزياتي إنه كان يتابع دراسته بأحد مستويات التعليم الابتدائي.  وذات مرة طلب منه معلم مادة الفرنسية (الأستاذ حاليا) أن يكرر جملة بالفرنسية (voici le mur). فكان يرد عليه بجملة (trois si le mur)، لتصبح لقبا له من طرف تلاميذ القسم.  وبعدها انتقلت العدوى  إلى الشارع حيث غطت على لقبه الزياتي. 

13 سنة من الاحتراف بدون أثر مادي

بدأ الزياتي ممارسة رياضة الملاكمة كطفل هاو سنة 1956 داخل نادي (بوكلان كلوب فضالة) وكان حريصا على التعلم والتكوين النفسي والبدني والتاكتيكي. وبعد سنوات من العمل الشاق والمثابرة، تمكن من ولوج عالم المحترفين. وحصد الألقاب وطنيا وعربيا وهو في سن مبكرة 21 سنة. وأنهى مساره الرياضي رسميا سنة 1969، لكنه استمر في الممارسة غير الرسمية حتى سنة 1973. حيث قرر الاعتزال.             

لم ينفعه مستواه التعليمي في خوض غمار التدريب. فمستواه التعليمي لم يتجاوز الخامس ابتدائي. وقد رفض اقتراح تدريب فرع الملاكمة بالمحمدية التابع للنادي البلدي، والذي يدربه منذ سنوات البطل نبيل منيام مفتش القطار. بعدما كان قد تم توظيفه في السلم واحد ببلدية المحمدية. قال الطرواسي: لم أفكر في التدريب باعتبار مستويا الدراسي الجد محدود  وقد فتحت لي فرصة تدريب فرع الملاكمة التابع للنادي البلدي إلا أنني رفضت . وأضاف بلهجة الشخصية التقليدية غير المهتمة (صافي شبعت). وأضاف أنه الجامعة الوصية لم تنصفه. وأنها نسته، ولم تبادر يوما إلى البحث عنه، ومعرفة مآل أسرته التي تعاني من غياب موارد مالية توازي أدنى حاجياتهم اليومية.

تقاعد بطعم الفقر

تقاعد البطل الزياتي من الوظيفة العمومية بالمجلس البلدي سنة 2000، بعد أن قضى أربيع سنة في العمل. وباعتبار أنه كان موظفا في السلم واحد، وترقى في آخر أيامه الوظيفية إلى السلم الثاني. فقد صرف له معاش شهري لا يتعدى 1800 درهم. وهو ما لديه من أجل تدبير مصاريف أسرته المكونة من زوجة وستة أبناء. وهو ما جعله يعيش الفقر، ولم يستفد ماديا من التتويجات التسعة التي حصدها وطنيا وعربيا. يقطن بمنزل يعود لوالده المتوفي، هو ومجموعة من أشقائه وشقيقاته الستة.يأمل التفاتة الجامعة الوصية والجهات المعنية محليا ووطنيا.   

هذا ما كسبه من ثمان بطولات للمغرب وبطولة عربية

بألم وحسرة تحدث البطل الزياتي، عن ما حصده من خلال تتويجه بثمان بطولات للمغرب وبطولة عربية. حيث قال وهو يبتسم ابتسامة المحبط المتألم: صرفت لي ألف درهم مقابل فوزي بالبطولة العربية. تسلمت الميدالية الذهبية، وعند عودتي للمنزل جاءني مدرب فريقي بالمحمدية وهو فرنسي (كريتجان مارسيل)، بمبلغ ألف درهم. لا أدري من أعطاه له.. وتابع المدرب أخذ أكثر.. والجامعة الملكية لرياضة الملاكمة، كانت تصرف للمدرب المبلغ المالي، وهو من يعطيني.  

بل إن ابتسامته تحولت إلى قهقهة اليائس المتذمر ، حين تابع: (أجي نحكي ليك على الثمان البطولات للمغرب). قال النجم الآفل إن كان يتلقى مبلغ 50 درهم إلى 60 درهم عن كل بطولة للمغرب حصل عليها. وأنه ناذرا ما كانت تمنح ميداليات عن التتويج. وبدلا من ذلك تلقى هدايا عبارة عن ألبسة  .. قميص (قميجة) أ و(سروال) مقابل تتويجه بتلك البطولات. 

باشا المحمدية كان هو الرئيس الشرفي للنادي

كان نادي (بوكلان كلوب فضالة) بمدرب فرنسي، ويشرف عليه باشا المدينة حينها. هذا النادي الذي أنتج النجم (الطرواسي)، لم يعد له وجودا بالمدينة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى