بصمات فضالية.. الحلقة 17 مع اللاعب الدولي عبد الإله مرزاق
الدار/ بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد والنموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
(مول التاكسي) الذي استحق الرقم عشرة
بصم عبد الإله مرزاق، اللاعب الدولي الفضالي وصانع ألعاب أندية وطنية والمنتخب المغربي على مسار رياضي حافل، ظل راسخا في أذهان العديد من متتبعي وعشاق رياضة كرة القدم محليا ووطنيا. مسار توقف بسبب إصابة لم يوفق في الشفاء منها. ليتحول من لاعب محترف قدمه حينها مدرب المنتخب الوطني (جوست فونتين)، لوسائل الإعلام على أنه أذكى لاعب ضمن تشكيلة المنتخب المغربي التي شاركت في إقصائيات كأس إفريقيا بنيجيريا سنة 1980، إلى مجرد سائق تاكسي صغير بمدينة المحمدية. يقضي أيامه في البحث عن موارد مالية حلال بالتناوب على سياقة التاكسي مع أحد أشقائه، ليتمكنا من تغطية الحد الأدنى من مصاريف أسرتيهما. لم تنصفه السنوات 13 التي قضاها في إمتاع الجماهير المغربية عامة وجمهور شباب المحمدية خاصة. الذي فاز معه بالبطولة الوطنية موسم 80/79، كما بلعب معه المباراة النهائية لكأس العرش موسم 78/79، أمام الوداد البيضاوي. وكذا جماهير اتحاد المحمدية والرجاء البيضاوي اللذان جاورهما في مساره.
سيرة ومسيرة عبد الإله مرزاق
ولد اللاعب الدولي السابق عبد اللإله مرزاق سنة 1957 بمدينة القنيطرة، وبعد سنة من ولادته انتقلت أسرته إلى مدينة الدار البيضاء حيث استقرت بها لمدة12سنة، ومنها إلى حضن مدينة المحمدية حيث ترعرع بين أزقتها وأحيائها السكنية..
عشق كرة القدم في طفولته إلى مستوى الهوس. كان مدمنا على امتلاك الفنيات الحديثة العالية حينها والمهارات. بصم بقوة داخل فرق الأحياء.. فتلقفه مدرب أبطال المحمدية الراحل عبد القادر أيت أوبا. الذي كان خبيرا في اقتناص الموهوبين في كرة القدم. فعمد إلى صقله، ومكنه من اللعب مع الكبار وسنه لا يتجاوز 17 سنة. انتقل من حضن المبدع الراحل أيت أوبا، إلى حضن الخبير الراحل عبد القادر الخميري، الذي ضمه حينها إلى لائحة من اللاعبين المميزين، منهم (أحمد فرس، حسن اعسيلة، الراحل الطاهر الرعد، إدريس وعبد اللطيف حدادي، الراحل محمد الدلاحي "كلاوى").
لعب للشباب في الفترة ما بين سنة 1975 و1988. وفاز رفقته بالبطولة الوطنية موسم 80/79، كما كاد أن ينتزع كأس العرش موسم 78/79، لولى قوة الخصم الوداد البيضاوي الذي حسم النتيجة لصالحه.
كما جاور اتحاد المحمدية خلال موسم واحد بعد انحدار الشباب إلى الدوري المغربي الثاني، وحقق معه الصعود إلى قسم الكبار حينها. ولعب لنادي الرجاء البيضاوي، وكان على وشك الالتحاق بالوداد البيضاوي، لكن المفاوضات بين المكتبين المسيرين فشلت.
تجربة المنتخب المغربي لم تكتمل
لعب ضمن جميع فئات المنتخب المغربي(فتيان وشبان واولمبيك وكبار). وشارك ضمن المنتخب المغربي شبان في كأس العالم التي نظمت سنة1977 بتونس. كما لعب للمنتخب الاولمبي وفاز معه بدوري نظم سنة 1980 بماليزيا دام حوالي شهر. أول مباراة رسمية له مع المنتخب الأول كانت ضد المنتخب الجزائري بالجزائر، حيث انهزم الفريق بثلاثة أهداف لصفر. كان حينها المنتخب المغربي يخضع لتغييرات جذرية بعد توالي الانتكاسات (هزيمته بالمغرب أمام الجزائر بخمسة أهداف نظيفة). برزت حينها أسماء بصمت فيما بعد سجل كرة القدم الوطنية (بادو الزاكي، عبد اللطيف حمامة، عزيز بودر بالة، محمد التيمومي …).
تعرض لمؤامرة داخل المنتخب المغربي
يحكي عبد الإله مرزاق عما وصفه بالمؤامرة التي تعرض داخل المنتخب المغربي. فبعد أن قدمه حينها مدرب المنتخب الوطني (جوست فونتين)، لوسائل الإعلام على أنه أذكى لاعب ضمن تشكيلة المنتخب المغربي التي شاركت في إقصائيات كأس إفريقيا بنيجيريا سنة 1980. تعرض المدرب فونتين لحادثة سير خطيرة، نقله إثرها إلى فرنسا للعلاج. تم حذف مرزاق من لائحة تشكيلة المنتخب المغربي، وعوضه المدرب البديل احميدوش بالمرحوم اللاعب عزيز دايدي ابن منطقته. ليصاب بخيبة أمله، زادت حدتها بعد أن تعرض لكسر في رجله اليسرى خلال لقاء فريق شباب المحمدية، بمدينة وجدة أمام المولودية. أرغم بعده على الابتعاد على الميادين لأزيد من ستة أشهر.
عروض دولية ورفض شباب المحمدية
تلقى مرزاق عروضا وطنية ودولية وخصوصا من أندية فرنسية، لكن المكتب المسير لشباب المحمدية كان حريصا على لاعبيه رغم تألقهم الكبير حينها، ورفض تسريحه.
نهاية المشوار بصبب تعدد الإصابات
لعب مرزاق في نهاية مشواره للرجاء البيضاوي في مبارتين ضد كل من نهضة قنيطرة واتحاد طنجة. بعدها عادت لعنة الإصابات تلازمه. حيث أصيب في ركبته اليسرى. أجرى بسببها عملية جراحية لم تكلل بالنجاح. ليعاوده الألم مرات ومرات اضطر معها إلى إنهاء مشواري الرياضي.
مرزاق الذي طواه النسيان
مع نهاية مشاوره الرياضي وعدم رغبته في خوض عالم التدريب. بالنظر إلى أن كرة القدم لم تنصفه. انتهى به النسيان والتهميش إلى العمل سائقا لسيارة أجرة، بالكاد يوفر مصاريف أسرته. حيث يتقاسم مدخول سيارة الأجرة مع أشقائه. تأسف لعدم مبادرة أية جهة محليا أو وطنيا لمساعدته، والاعتراف بما قدمه لشباب المحمدية والمنتخب المغربي.
يعيش عبد الإله مرزاق لاعب وسط ميدان شباب المحمدية والمنتخب المغربي، وضعية اجتماعية صعبة داخل منزل والديه المتوفين، إلى جانب باقي أشقائه بالمحمدية. حيث لم يمكنه عمله كسائق لسيارة أجرة من الحجم الصغير، من اقتناء سكن لائق ولا حتى تغطية مصاريف الأسرة. خصوصا بعد أن كبر أبنائه وزادت مطالبهم. يحضن أسرة مكونة من شابين فوزي وياسر وبسمة.
تأسف مرزاق لما لحقه من إقصاء خلال مشاركته الإفريقية، وما واكبها من لعنة الإصابات التي طاردته خلال مسيرته الرياضية والتي شلت مساره، فرغم تأكيد العديد ممن عاشروه ودربوه على أنه اللاعب رقم 10 الوحيد الذي كان يمتلك كل مهارات اللاعب الممارس، فإن مشواره الكروي طواه النسيان، ليجد نفسه خاوي الوفاض من كل ما هو مادي ومعنوي، ولم يجد سبيل لضمان العيش سوى العمل سائقا لسيارة أجرة صغيرة لا يمتلكها. مجبر على أن يجوب أزقة وشوارع المحمدية أملا في الحصول على مداخيل مالية يدبر بها حال أسرته.