المواطن

بصمات فضالية.. الحلقة 19 مع مدرب الملاكمة نبيل منيام

الدار/ إعداد : بوشعيب حمراوي

لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات.. 

مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة..  مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين. 

نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.

نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..

نبيل منيام:  شرطي القطار الذي حول حلبة الملاكمة إلى مستشفى  ومشتل  للأبطال 

بصم الفضالي نبيل منيام  المدرب الدولي للملاكمة وشرطي القطار بقفازين من ذهب في مسار مئات الأطفال الشبان ذكورا وإناثا.فقراء وأغنياء ن يتامى ومشردين..      

قدم نبيل المدرب والمدير التقني داخل فرع الملاكمة بالنادي البلدي بالمحمدية خدمات تعدت الرياضة وصناعة الأبطال من قبيل (محمد العرجاوي وبدر الحديوي…)… تحولت حلبة الملاكمة للنادي بقاعة ستة نونبر إلى إصلاحية لإعادة تقويم سلوكات الأطفال المشردين والمنحرفين ذكورا وإناثا، ومستشفى للعلاج النفسي والعضوي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

واعتبرتها الأسر الفضالية والزناتية رئة مدينة الزهور  والمتنفس الوحيد لأطفالها… تجاوزت سياسة الباب المفتوح في وجه كل راغب في التكوين أو كسب اللياقة البدنية من وراء تمارين مكثفة ومبرمجة. حول رياضة الملاكمة أو كما تعرف بـ(رياضة الملوك) أو (الفن النبيل)، إلى وصفة طبية حررت المعاقين رغم إعاقاتهم المختلفة وجعلتهم أقوى من الأصحاء، وأنارت طريق المنحرفين والمشردين، ومكنتهم من العودة إلى عالم الإنسان النافع، والمواطن الذي أصبح يعرف  حقوقه وواجباته… جعلتهم يستدركون ما فاتهم من إصلاح ذاتي ونفسي. ويندمون على سنوات الضياع التي كانوا فيها مدمنين على الخمور والمخدرات والأقراص المهلوسة، وكان بعضهم ذئابا بشرية تنهش أعراض وأجساد بني جلدتهم من البشر. يعترضون سبيل المارة بأسلحتهم البيضاء ويتحرشون بالنساء ويرعبون جيرانهم.. بل إن بعضهم استطاع التفوق والتألق وتمكنوا من حصد الألقاب الجهوية والوطنية وحتى القارية والدولية…

إكراهات الممارسة والشغل

ورث نبيل منيام رحيق الملاكمة والعمل الاجتماعي والخيري من والده الراحل، الذي كان قيد حياته عاشقا لا يفارق حلبات العنف. مارس رياضة الفن النبيل، فترة طفولته وشبابه، وتألق على مستوى عصبة الدار البيضاء. وحصد مجموعة من الميداليات الذهبية في عدة أوزان. مع ناديه القديم الجديد (النادي البلدي). وضعية نبيل الاجتماعية، جعلته يهتم أكثر بوظيفته كشرطي القطار بالمكتب الوطني للسكك الحديدية. أكثر من اهتمامه بالتداريب والمنافسات الوطنية. ولو أنه بصم بقوة في عدة بطولات ودوريات وطنية. قبل أن يخوض عالم التدريب

ولوج عالم التدريب من بابه الواسع 

تحصل نبيل على مجموعة من الدبلومات، واستفاد من عدة تكوينات. ليبدأ رحلة النجومية التي جمعت بين صناعة الأبطال وتقديم العلاجات النفسية والاجتماعية لذوي الاحتجاجات الخاصة ذكورا وإناثا. وإنقاذ الأطفال المشردين والمتخلى عنهم. فحول حلبة الملاكمة إلى مصنع للأبطال ومستشفى للعلاج وحضن بديل لليتامي والمشردين.     

انضم منذ سنة 1998 إلى مدرب ومدير تقني لفرع الملاكمة بالنادي البلدي المحمدية. حصل على شهادة التدريب من الديار الإيطالية كمدرب دولي من درجة الثانية سنة 2013، وبعدها حصل على دبلوم مدرب صنف ثلاثة نجوم سنة 2014 بالديار الايطالية. عين كناخب وطني سنة 2002  ولعب فرنسا، كما فاز سنة 2013 بكأس إفريقيا إناث بالكامرون. كما شارك كناخب وطني في بطولة العالم في روسيا 2009. كما درب مجموعة من الأبطال المغاربة ضمن البطل العالمي محمد الربيعي، بمعسكر تدريب بإنجلتر استعداد لأولمبياد البرازيل سنة 2015. وكذا في بطولة العالم في كزاخستان سنة 2013، و الذي شارك فيها الأبطال  (محمد الربيعي، بدر الحديوي، أبو حمد محمد).  كما شارك في ترتيب بطولة العالم الاحترافية في ادربدجان سنة 2014 و ترتيب بطولة العالم الاحترافية في كازاخستان.

مهووس بسباق الطيور والتمثيل

أحب نبيل تربية الطيور ودراسة عوالمها. ودخل المنافسة الوطنية المخصصة لطائر الحسون. ففاز ببطولة وطنية. كما عشق التمثيل والسينما، وخاض تجربة الفيل القصير مع ادريس الروخ، والطبل العالمي عشيق، في فيلم بعنوان (الضربة القاضية)، والذي حصد عدة جوائز وطنية. وكذا الشريطين السينمائيين (البعد الآخر)، و(نهاية سعيدة).
هوايات التحدي ظلت تلازمه.

يعرف نبيل منيام بهوايات الغوص وتحدي الطبيعة في نماذج مختلفة منها التسلق والتحكم الذاتي عند المشي أو التدريب بأماكن شاهقة. تستهويه تلك الهوايات حتى في وضعه الحالي حيث التقدم في السن، ومعاناة الشغل والأسرة ومهامه كمدرب ومدير تقني لنادي الملاكمة بالمحمدية. يجد متعة في تسلق صخور (لافاليز) المحمدية، وجدران قنطرة الشراط. والجبال والمرتفعات بإقليم ابن سليمان.  

منيام: شرطي القطار الذي يقضي وقت فراغه في  البحث عن المشردين

قال نبيل منيام المدير التقني للنادي والشخصية الأكثر تأثيرا على الملاكمين، إن قاعة ستة نونبر مفتوحة في وجه كل الفئات العمرية ومن كل الأسر  بمختلف شرائحها، كما هي في حاجة إلى المزيد من الدعم والتعاون من أجل الرفع من خدماتها الرياضية والاجتماعية. مشيرا إلى جنود الخفاء الذين يدعمون أهداف النادي الإنسانية، وفي مقدمتهم محمد العسولي رئيس نادي الملاكمة وأعضاء المكتب المسر. دون أن ينسى زميله المدرب النجار الذي يشاركه التدريب اليومي بالمجان.

وأشار منيام إلى مناطق تواجد المشردين بالمدينة والجوار، سواء بميناء المدينة أو بمحطة القطار ومحيطها أو (جوطية) العالية، وأن فئة كبيرة من الأطفال المشردين تتمرن داخل قاعة النادي، ويستمعون إلى نصائحه ويتمرون إلى جانب الأطفال العاديين والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما تحدث عن الدور الكبير الذي تقوم جمعية القصبة للأطفال في وضعية صعبة، التي تحتضن  أطفال يخضعون لتكوينات في الحدادة والحلاقة والنجارة والأغراس…  وغيرها من المهن، بمساعدة حرفيين وزملاء لهم تمرسوا في بعض المهن.

كما أن مجموعة من الأطفال المشردين بدئوا يستغلون عطالتهم في التجارة بالتجوال، والاستفادة من برامج الجمعية ودعمها لهم. وأكد أن هناك أطفال بلا أسر يبيعون (الميكة) أو ينظفون السمك بالميناء أو سوق السمك، أو يعملون كحمالين. وأن بعضهم تكون وأصبح يقوم بدور المكون. كما أن الجمعية التي هو عضوا بها، تقوم بحصص في محاربة الأمية وتلقين بعض المهن داخل مقرها. وأفاد منيام أن النادي يحتضن الآن أزيد من 25 طفل مشرد أعمارهم ما بين 12 و24 سنة، كما يحتضن 14 طفلا ومراهقا من ذوي الاحتياجات الخاصة، نصفهم من ذوي الإعاقة الذهنية، والنصف الآخر من ذوي الإعاقة العضوية. وتحدث شرطي القطار عن الملاكم  يوسف حرجي، مؤكدا أن أسرته في وضعية صعبة، وأنه كان في صغره يبيع (الميكة)، ليساعد أسرته، وهو الآن مساعد لصاحب محل لبيع أدوات الخياطة.

كما تحدث عن الملاكم رشيد  لشكر (18 سنة)، والذي احتضنته جمعية القصبة. موضحا أنه تعلم الحلاقة، وأصبح معلم حلاقة داخل مقر الجمعية، والذي تنبأ له بمستقبل زاهر، نظرا لما يعرفه عنه من التزام رياضي وأخلاقي ومهني. وانتقد غياب الدعم للنادي سواء من طرف السلطات المحلية والمنتخبين،  باستثناء ما توفره البلدية من قاعة ودوش ودعم مالي بسيط سنويا.

كما انتقد غياب قاعة مغطاة بالمدينة، وتأثير ذلك السلبي على عدة رياضات، وطالب بتسريع إنجاز القاعة المغطاة العالقة، متساءلا كيف لمدينة الزهور والرياضات الأنيقة الا تتوفر على قاعة مغطاة، في الوقت الذي تتوفر فيه مدن أخرى أقل موارد مالية منها على عدة قاعات. وأكد أنه لم يسبق لأي مسؤول أو منتخب أن زار النادي ووقف على ما يقدمه من مبادرات رياضية واجتماعية  لأسر مدينة المحمدية.

وطالب نبيل من كل الأطر و الكوادر المحلية والغيورين على المدينة أن يمنحوا جزءا من أوقفات فراغهم لفائدة المهمشين والمقصيين من أطفال وشباب المدينة، وخصوصا المنحدرين من أسر فقيرة أو في وضعية صعبة أو هؤلاء المشردين المنتشرين بعدة نقط سوداء  بالمدينة. وأخص بالذكر الأطباء، حيث أن هناك عدد كبير من الأطفال والشبان مصابون بعدة أمراض منها ما هو معدي ، ولا يجدون من يسعفهم. وتساءل لماذا لم يتم بناء مراكز القرب كالقاعات الرياضية والملاعب. تقي الأطفال والشبان من الانحراف . وأن تكون القاعات والملاعب مفتوحة بالمجان.

عندما تصبح الملاكمة علاجا لذوي الاحتياجات 

انطلقت الممارسة الفعلية لهذه الفئة بعد ولوج أول طفل معاق حركيا. وهو عادل بوزميمير، كان خلالها في سن الـ15 يعاني من إعاقتين في اليد والرجل، اقتحم بوزميمر قاعة التدريب، وأفصح عن نيته في ممارسة رياضة الملاكمة، قال منيام: طلب بوزميمير استقبل حينها باندهاش الملاكمين والأطر الفنية، على اعتبار أنه معاق عضويا ويصعب عليه أن يمارس رياضة تعتبر عند البعض من أعنف الرياضات… علما أن عادل حاول ممارسة رياضات أخرى أقل عنفا لكنه لم يجد حضنا لطموحه. وتابع منيام: لم أشعر وأنا اصطحب الطفل إلى داخل القاعة، حضنته وأبديت له رغبتي في تدريبه قدر المستطاع، بشرط احترام المواقيت وتنفيذ البرامج، فقبل التحدي وبدأنا معا مشوارا ليس كالمعتاد. ولوج بوزميمير عالم الملاكمة وحبه لها لحد أنه أصبح يؤدي لقطات استعراضية في رياضة الملاكمة في أكبر المحافل الرياضية بالمغرب، كان أكبر حافز لولوج  معاقين ومعاقات جدد عالم الملاكمة.

وكسرت  كريمة ناصيف وصديقتها زهور اخديم، جدار الخوف الذي ضل يعتري النساء وهن يشاهدن قلة من الرجال يتعاركن فوق حلبة مطاطية باسم الرياضة الأشد عنفا بين الرياضات، أزحن غطاء الأنوثة الضعيفة وسماحة الجنس اللطيف أمام طيف الرجال واستفزازهم المستمر لهن، تحدين الفقر والإعاقة وعزمن على خوض غمار أعنف الرياضات التي ضلت وعلى مدى عقود ناقوس الرجال الذي يوظفونه كلما سنحت الفرصة  لإظهار تفوقهم على الجنس الناعم. رفعن شعار القوة عزيمة والضعف يأس وإحباط وقررن قيادة قافلة النساء ضد الرجال لتحرير المرأة من قيود الضعف والاستسلام للجنس الآخر. أخفين أيديهن الهزيلة داخل قفازات رياضية، وارتدين لباس الملاكمات المحترفات رغم إعاقتهن الحركية على مستوى الأرجل، وأصررن على خوض تداريب العنف من أجل نشر ثقافة السلم والتواصل. 

حطمن جبروت الرجال واقتحمن خلوتهم التي اعتادوا إرسال رسائل غرور وتنقيص عبرها لبنات هواء. وكان الطفل سالم  فاقدا للنطق منغلقا على نفسه، ومريضا ذهنيا، ولج عالم الملاكمة وتدرب لعدة أشهر كانت كافية لتغيير سلوكه وشفائه، أطلق العنان للسانه وبات يحب الأنس والحديث، أصبح يتقن الحساب والتحدث، بعدما كان لا يعرف عد الدراهم القليلة، و بعدما كانت أمه  تكتب على ورقة اسمه وعنوانه وتضعها في جيبه كلما هم بالخروج من المنزل خوفا من أن يضل الطريق. انقطع عن التداوي  وشفي  من كل أمراضه الذهنية والعضوية، مما حدا  بأمه إلى أن تفتح له دكانا للبقالة. 

الأمل في إحداث مسابقة وطنية ودولية في رياضة الملاكمة لذوي الاحتياجات الخاصة

طالب منيام الجنتين الأولمبيتين لرياضة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة محليا ودوليا بإحداث مسابقة لهذه الفئة في رياضة الملاكمة. وسبق أن تم إجراء مباريات في الملاكمة لهذه الفئة، لكنها كانت مباريات استعراضية فقط. مؤكدا أنه بالإمكان أن تقدم هذه الفئة مباريات في مستوى كبير من التحدي. والذي لمسه في العديد من الأطفال والشبان والشابات الذي يتابعون تداريبهم داخل النادي.    

نائبة رئيس الاتحاد الفرنسي للملاكمة وعضو الاتحاد الدولي لنفس الرياضة بكت حين شاهدت مباراة استعراضية بين الشابتين المعاقتين كريمة وزهيرة بمدينة سلا.

قال منيام إن نائبة رئيس الاتحاد الفرنسي للملاكمة  وعضو الاتحاد الدولي لنفس الرياضة التي حضرت قبل سنوات إحدى المباريات الاستعراضية بمدينة سلا، بين البطلتين كريمة وزهيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة،  بكت، وأكدت للحضور أنها لم تر من قبل فتاتين تحدتا الإعاقة الحركية وقررتا خوض غمار رياضة الملاكمة، وتمنت أن تتسع رقعة هذه التجربة لتعم المغرب والخارج.

وأوضح أن هذه الفئة من الأطفال  من الجنسين التي فاقت العشرين تتدرب بالموازاة مع أبطال النادي، ويتلقوا اهتمام أكثر وهو ما حفزهم على الاستمرار في التداريب، وتحدث منيام عن أطفال آخرين استطاعوا التغلب على إعاقاتهم الذهنية والبدنية بعد التزامهم بحصص تدريبية يومية داخل النادي. وإلى جانب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عمل منيام الذي يشغل وظيفة شرطي القطار على جلب ما استطاع من أطفال في وضعية صعبة التقاهم أثناء جولاته على طول محطات القطار بالمدينة والمدن التي يزورها القطار.

 فرنسية تستقر بالمغرب ليبقى ابنها تحت إشراف منيام

قالت ناتاليا المواطنة الفرنسية أم الشاب ماكس المعاق ذهنيا والذي كتب له أن يكون ضمن فئة المعاقين ذهنيا وحركيا المنخرطين بنادي الملاكمة، إن ما حصل من تغيير لابنها البالغ من العمر 22 سنة، وفي غضون سنة واحدة، لجدير بالذكر والتنويه، وأن ابنها الذي كان عنيفا ويعاني ببلده في فرنسا من العزلة والاكتئاب وكان حبيس المنزل، أصبح شابا مرحا يحب الحديث والتسلية وأصبح له أصدقاء داخل النادي يحبهم ويتألم لفراقهم. وأضافت الفرنسية التي استقرت منذ ست سنوات بمدينة المحمدية، أن القدر شاء أن يضيع الظرف الذي يحوي كل وثائق ابنها الطبية داخل إحدى عربات القطار، وأن يتم العثور على الظرف بعد ساعتين من فقدانه بفضل مسؤولي المحطة بالمحمدية الذين ما إن حدثتهم على محتوى الظرف وعلى ابنها المعاق ذهنيا حتى نصحها بالاتصال بنبيل منيام شرطي القطار والمدرب التقني  لفرع الملاكمة داخل النادي البلدي بالمحمدية. وأنه الوحيد الذي بإمكانه مساعدتها على تربية ابنها الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة.       

وأكد منيام أن ماكس  المعاق ذهنيا لم يعد كذلك، وأن  ما ينقصه هو تكثيف العمل من أجل إدماجه كليا في الحياة اليومية  تنقصه الجرأة وقد بدأ يكتسب منها الكثير  كان لا يكلم أحد ولا يشارك أي كان ابتسامته أو حزنه أو أنشطته  والآن أصبح  له صديق حميم وهو عادل وأصبح يحاور كل من خاطبة ويبادل التحية…  لو أنه التحق بالفرع في وقت مبكر  لتمكن من القضاء نهائيا على إعاقته . لديه تأخر من الجانب التكويني فهو لم يلتحق قط بالتعليم لكن وبعد سنة من ولوجه الفرع  تغير سلوكه.  
 
سالم كان مريضا ذهنيا وفاقدا للنطق فأصبح عاقلا  مشرفا على دكان بقالة 

ذكر منيام بالطفل سالم ابن 24 سنة، الذي كان فاقدا للنطق منغلقا على نفسه، ومريضا ذهنيا، ولج عالم الملاكمة وتدرب لعدة أشهر كانت كافية لتغيير سلوكه وشفائه، أطلق العنان للسانه وبات يحب الأنس والحديث، وأشار منيام إلى فرحة أمه به وهي ترى ابنها يتقن الحساب والتحدث، بعدما كان لا يعرف عد الدراهم القليلة، و بعدما كانت أمه  تكتب على ورقة اسمه وعنوانه وتضعها في جيبه كلما هم بالخروج من المنزل خوفا من أن يضل الطريق. انقطع عن التداوي  وشفي  من كل أمراضه الذهنية والعضوية، مما حدا  بأمه إلى أن تفتح له دكانا للبقالة.  أكثر من هذا فسالم الذي بدأ يذهب وحده إلى مدينة الدار البيضاء بشراء السلع عثر يوما داخل حافلة بالحي المحمدي على صديق له داخل النادي وهو تائها، فأعاده إلى منزله بالمحمدية، وكان صديقه مولعا بحضور مباريات الوداد البيضاوي.   

كريمة وزهيرة تحدين الإعاقة والفقر  وخضن غمار أعنف رياضة  

 كسرت  كريمة ناصيف  وصديقتها زهور اخديم جدران الخوف الذي ضل يعتري النساء وهن يشاهدن قلة من الرجال يتعاركن فوق حلبة مطاطية باسم الرياضة الأشد عنفا بين الرياضات، أزحن غطاء الأنوثة الضعيفة وسماحة الجنس اللطيف أمام طيف الرجال واستفزازهم المستمر لهن، تحدين الفقر والإعاقة وعزمن على خوض غمار أعنف الرياضات التي ضلت وعلى مدى عقود ناقوس الرجال الذي يوظفونه كلما سنحت الفرصة  لإظهار تفوقهم على الجنس الناعم. رفعن شعار القوة عزيمة والضعف يأس وإحباط وقررن قيادة قافلة النساء ضد الرجال لتحرير المرأة من قيود الضعف والاستسلام للجنس الآخر.

أخفين أيديهن الهزيلة داخل قفازات رياضية، وارتدين لباس الملاكمات المحترفات رغم إعاقتهن الحركية على مستوى الأرجل، وأصررن على خوض تداريب العنف من أجل نشر ثقافة السلم والتواصل.  حطمن جبروت الرجال واقتحمن خلوتهم التي اعتادوا إرسال رسائل غرور وتنقيص عبرها لبنات هواء.                                                               

قالت كريمة ذات الثامنة والعشرين ربيعا، والتي  تابعت تعليمها حتى مستوى الأولى باكالوريا شعبة الآداب العصرية، إنها كانت تمارس الترويض من أجل الحفاظ على أملها في المشي، ولم تكن يوما تحلم بولوج عالم الرجال الخشن، وأضافت إنها التقت بمدربها منيام  خلال حفل تكريم بعض الوجوه الرياضية للفرع سنة 1999، وإنها أعجبت باللقطات الفنية التي قدمها الشاب المعاق عادل بوزميمير خلال مباراة استعراضية في الملاكمة، ولاحظت كريمة ثقة وبراعة عادل فقررت الانضمام إلى فرع الملاكمة والتدريب تحت إشراف نبيل منيام، مشيرة إلى أنها كانت الوحيدة التي تعاني من إعاقة حركية على مستوى الرجلين، وكانت بداية التداريب جد صعبة وقاسية، لكن بصمودها وعزيمتها القوية تمكنت من الاندماج داخل عالم الملاكمة الخشن، وهو العالم الذي جعلته في خدمة حالتها النفسية وخدمة بني جنسها اللطيف، ونجحت في توظيف الرياضة من أجل التواصل وكسر جزء من جبروت الرجال.     

تجد كريمة راحتها في إسعاد الآخرين، تقضي معظم حاجيات المنزل وخصوصا الإدارية  منها بحكم  تواصلها وانفتاحها على العالم الخارجي،  أصبحت طباخة ماهرة  ناذرا ما تعفيها الأسرة من إعداد شهيوات المائدة التي تفرزها الدراهم المعدودة التي يدبرها والدها المتقاعد.

ولم تكن منافستها خلال المباريات الاستعراضية التي تؤديها كريمة في المحافل الوطنية والدولية سوى  زهيرة اخديم صديقتها السابقة في جمعية جيل الفضالة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي لم تقف رجلها اليمنى المقطوعة أمام عزيمتها ورغبتها في حضور الحصص التدريبية الثلاث التي يقيمها الفرع أسبوعيا، فزهيرة ابنة الرابعة والعشرين ربيعا  تحدت الفقر والإعاقة والمواصلات وقررت الانتقال  خلال كل حصة تدريبية من منزلها بمدينة بوزنيقة  إلى مقر النادي بعالية المحمدية. وتعاني زهيرة التي درست حتى مستوى  الثالثة إعدادي، وانقطعت عن الدراسة سنة 2003  لأسباب صحية واجتماعية، من إعاقة حركية في رجلها اليسرى (مبتورة) تمنعها من الوقوف بتبات والسير العادي. وهي الآن تشرف على كشك هاتفي بمدينة بوزنيقة.   

مهدي عمارة : من منحرف سكير ومدمن على (القرقوبي) إلى ملاكم متألق توج  بطل المغرب لسنة 2013

لن يصدق أحد أن بطل المغرب الحالي في رياضة الملاكمة  (وزن 81 كلغ)، والمتوج خلال شهر يونيو الأخير بمدينة آسفي… والشاب المكافح الطيب والسموح الذي توج وصيفا لبطل المغرب خلال السنوات الثلاث الماضية، و أحرز بطولة عصبة الشاوية أربع مرات منذ سنة 2010، في أوزان مختلفة… هو نفسه طفل ومراهق الأمس الذي  تسبب له طلاق والديه وشتات أسرته الصغيرة  في اضطرابات نفسية وعزلة… حولته إلى شخصية مشاغبة وعنيفة… ترى في عيون الجيران والمارة  كل أوجه الاحتقار والمهانة… وتقرأ في حركاتهم  ودردشاتهم  كل مظاهر  التنقيص لشخصه بسبب ما وقع لأسرته من تفكك. فاختار الانتقال إلى عالم  الانحراف والإدمان على احتساء الخمور وتناول الأقراص المهلوسة (القرقوبي). وأصبح عدوا لدودا لكل بني البشر. من يصدق أن (مهدي) الذي هداه الله للصلاة والاستقامة، هو ذلك (الكابوس) الذي كان يرعب ساكنة درب مراكش والجوار، كان يبيع ملابسه من أجل الحصول على مخزون ليلة حمراء من كحول وأقراص مهلوسة.

لحبيق رضا: ترك الرياضة وارتمى في حضن الأشرار قبل أن يستعيد وعيه بضربة (ياجورة)

صح مثل الشهيد الليبي عمر المختار (الضربة التي لا تقسم ظهرك تقويك) على الملاكم الفضالي رضا لحبيق. الذي عاد من مستنقع الإدمان والأشرار بفضل ضربة غير مقصودة لشقيق له. كان قد وجهها له بعد  أن اكتشاف انحرافه وغضبه عليه. فقد أعاد رضا عقارب الساعة  إلى فترة طفولته، عندما كان يسرد تفاصيل حياته، حيث بدأ رضا  (25سنة) تداريبه في سن التاسعة، بعد أن لقي دعما ورعاية من والده البسيط الذي يعمل سائق حافلة، وأمه الموظفة، فكانت من نتائجه تداريبه الأولية، أن وزنه خف تدريجيا، وأصبح رشيقا. عند بلوغه سن ال18، انتقل إلى نادي الجيش الملكي على أمل أن يحصل على إمكانيات مادية، تمكنه من الإبداع أكثر، فتوج وصيفا لبطل المغرب سنة 2006، في وزن 64 كلغ، وتمت المناداة عليه لينضم إلى تشكيلة المنتخب الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى