بصمات فضالية.. الحلقة الـ22 مع الحارس الدولي السابق عبد اللطيف العراقي
الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
مسار رياضي حافل انتهى بالإبعاد لمدة ثلاث سنوات والطرد من العمل
بصم الحارس الدولي الفضالي عبد اللطيف العراقي على مسار رياضي حافلا بالعطاء داخل عدة أندية وطنية والمنتخب المغربي. واستحق في عدة مراحل من تألقه لقب مايسترو الفريق الذي كان يلعب له، وأحد أعمدته على مستوى صف الصفوف، وتقديم الدعم النفسي لزملائه فوق رقعة الملاعب وداخل مستودعات الملابس، داخل وخارج المغرب.
نسج عبد اللطيف الدركي الخلوق والمحبوب لدى جمهور المحمدية والوطن، مسارا رياضيا، ساقه إلى التنقل بين مجموعة من الأندية الوطنية. وكل فئات المنتخب المغربي. إلا أنه لم يحظ بما يلهث خلفه كل نجوم الرياضة، من بطولات وتتويجات وطنية وقارية. ولو أنه كان من بين المحركات الأساسية في تحريك عجلة كرة القدم، وخصوصا على مدينته المحمدية، والمنتخب الوطني.
أكثر من هذا .. فكرة القدم التي عشقها إلى حد الهوس والجنون، وناديه شباب المحمدية الذي كان من فرط حبه له. لا يكاد يفارقه حتى يعود إليه… أدارا ظهريهما له. ورميا بمساره الرياضي والمهني والعائلي إلى الشارع، حيث العزلة والعطالة والفقر والإحباط..
في ظرف يومين، كتب على الحارس الدولي العراقي وهو زوج بطفلين (بنت وولد)، أن يتلقى طعنة قاتلة من الجامعة الملكية لكرة القدم، بعد أن قضت لجنة الأخلاقيات بإبعاده عن الميادين الرياضية لمدة ثلاث سنوات. وعلى مسار أشد قسوة، قررت الإدارة العامة للدرك الملكي طرد العراقي من سلك الدركي الملكي التي قضى داخلها 21 سنة. والتهمة الموجهة له حددت في كونه حاول التلاعب في مباراة أحد أطرافها شباب المحمدية. وهي التهمة التي أكد العراقي أنه لا أساس لها من الصحة. وأن الغرض كان هو التخلص منه. مستغربا سرعة القرارين الرياضي والمهني. دون أن يتم الاستماع إليه، ودون أن تتوفر أية أدلة أو قرائن تثبت التهمة الموجهة إليه.
(الزنقة).. مدرستي الأولى
قال عبد اللطيف العراقي المزداد يوم فاتح يناير 1972، إنه عشق كرة القدم منذ طفولته. وان الكرة المستديرة استهوته وسط أقرانه، بالأزقة والفضاءات المتواجدة حينها بالأحياء السكنية. مشيرا إلى أن المدينة كانت تعج بالمدربين المتطوعين، الذين قدموا خدمات مجانية يومية لمئات الأطفال في رياضة كرة القدم. وأن بدايته كانت بمدارس (الزنقة). ذكر منها مدرسة الراحل عباس قجي الذي كان رئيسا ومدربا متطوعا. ومدرسة فريد ولد خلوق. كما أكد بصمة المدرسة الابتدائية الفشتالي، تحت أستاذ اللغة الفرسية (السمامي). كما تحدث عن مراحل الطفولة والمراهقة التي قضاها متنقل بين مدارس اتحاد المحمدية وشباب المحمدية. حيث تم احتضانه من طرف مجموعة من المدربين (بوقنطار، باميخائيل إبراهيم، با بوشعيب، رشيد طناجي، محمد كربي، عياد مصطفى، با التامي، عبد اللطيف حدادي، حسن اعسيلة..). قبل أن يختطفه المدرب الراحل عبد الله السطاتي، الذي جاء حينها من فترة إشرافه على الفئات الصغرى للمنتخب المغربي، إلى تدريب نادي شباب المحمدي.
فترة ولوج كبار نادي شباب المحمدية
كان العراقي قريب من ناديي اتحاد وشباب المحمدية، اللذان ترعرع داخل فئاتهما الصغرى. ولم يفرق يوما بينهما. باعتبارهما فريقا مدينة الزهور والرياضات الأنيقة.
كان العراقي يتابع تداريبه بملعب فضالة سبور (حيث مقر عمالة المحمدية حاليا). حين حل المدرب الراحل عبد الله السطاتي، المولوع بقدراته كحارس مرمى واعد، حيث عايشه داخل فئات المنتخب المغربي. أصر الراحل السطاتي على جلب الفتى العراقي إلى كبار فريق شباب المحمدية. وهو جد متأكد من أنه سيكون الحارس الأمين على عرين الشباب.
كان ذلك سنة 1986، حيث جاور الشباب إلى غاية سنة 2006. بعدها جاور اتحاد الزموري الخميسات بالقسم الوطني الأول على سبيل الإعارة. كما جاور عدة أندية وطنية بالقسم الوطني الثاني حينها ( الاتحاد البيضاوي، نهضة سطات، اتحاد المحمدية، يوسفية برشيد). كما جاور أندية بقسم الهواة (سبورتين سلا، نهضة تيفلت، وفاق بوزنيقة، الهوس سطات). لينهي بعدها مساره كحارس مرمى سنة 2013.
مساره داخل المنتخب الوطني
ولج العراقي المنتخب المغربي بالتدرجن عبر فئاته الصغرى مع المدربين (عبد الله السطاتي، الحاج الهجيري، عبد لله ملاكا، بلمحجوبي، ومدرب الحراس الراحل علال بن قسو)، قبل أن ينتزع مقعده داخل كبار المنتخب الوطني سنة 1994، والذي جاوره لأربعة سنوات. ولج مجموعة النخبة، تحت إشراف المدرب الفرنسي هينري ميشيل. تأهل سنة 1998 رفقة المنتخب الوطني، لبطولة كأس الأمم الإفريقية ببوركينا فاسو. كما شارك في الإقصائيات الأولية لكأس العالم فرنسا لسنة 1998.
العراقي ضمن أول منتخب وطني لكرة القدم الشاطئية
برز اسم عبد اللطيف العراقي ضمن تشكيلة أول منتخب وطني لكرة القدم الشاطئية، الذي تأسس سنة 2006 تحت إشراف المدرب واللاعب الدولي السابق مصطفى الحداوي. والذي تأهل في السنة نفسها إلى نهائيات كأس إفريقيا للعبة بجنوب إفريقيا.
من حراسة المرمى إلى التدريب
أنهى عبد اللطيف العراقي مساره كحارس مرمى سنة 2013. لينتقل إلى عالم التدريب، بعد حصوله على مجموعة من الشواهد والدبلومات. حيث درب حراس أندية بالقسم الوطني الأول ( رجاء بني ملال، شباب المسيرة، المغرب الفاسي)، وناديي شباب هوارة واولمبيك اليوسفية بالقسم الوطني الثاني. كما عاد لنادي شباب المحمدية الذي جاوره لموسمين. حيث عمل في الموسم الأول مساعدا للمدرب ( نجيب الحنوني، موسى نضاو، حسن الساخي)، وعمل مدربا للنادي في الموسم الثاني.
مأساة نهاية مسار
حظي العراقي بالتفاتة ملكية في بداية مساره الاحترافي داخل المنتخب الوطني. حيث أمر الملك الراحل الحسن الثاني، بتوظيفه في سلك الدرك الملكي، إلى جانب مجموعة من اللاعبين الذي تألقوا في عصره. وحظي بمسار رياضي أشاد بت بجماهير كل الأندية التي جاورها وكذا المنتخب الوطني. على مستوى الأداء والسلوك والقناعة. إلا أنه وبعد نهاية مساره كحارس مرمى، وبداية مراحله الأولى في عالم التدريب. جاءت الضربة التي قيمت ظهره رياضيا واجتماعيا. بعد طرده من سلك الدرك الملكي وإبعاده عن الميادين الرياضية لمدة ثلاث سنوات.
تحدث العراقي بحسرة وألم شيديدين. عن مأساة موسم 2016/2017، حيث وجد نفسع عاطلا على مستوى الرياضة ومهنته التي تعتبر المورد المالي الأساسي لعيش أسرته الصغيرة. قال إن مكالمة ما بين أصدقاء، اعتبره أبنائه، تحول إلى جريمة. بعد أن اتهم بمحاولة التلاعب في مباراة. تسجيل مكالمة دارت بينه وبين أحد اللاعبين، واعتمادها في معاقبة العراقي.
وأضاف: لم يتم إيقافي متلبسا بشيء، لا دليل مادي يدينني، بأنني حاولت (بيع الماتش) مكالمة (ما فيهمش الخير)، كانت عملية مقصودة لطردي..
وتابع العراقي: الدليل على ذلك هو أنه يوم الثلاثاء يتم توقيفي عن الممارسة من طرف لجنة الأخلاقيات التابعة للجامعة الملكية لكرة القدم. وبعدها بيوم واحد يتم طردي من عملي كدركي بدون أدنى بحث أو الاستماع إلي، علما أنه لا علاقة للكرة بالخدمة… موضحا أنه كان سيترقى إلى رتبة أعلى خلال الأسبوع الموالي للحادث.
وجد العراقي نفسه عاطلا بعد 21 سنة من العمل داخل سلك الدرك الملكي. وأمله أن يعاد فتح ملفه، من أجل إنصافه، وانتشال أسرته من الفقر والتشرد. واليأس والإحباط.
قال العراقي: كنت أنتظر فرصة استدعائي من طرف رؤسائي من أجل الاستماع إلي، ومواجهتي بالتهم لأرد عليها.. الناس دارت العجائب والغرائب ولا أحد عبرها أو حاكمها. لجنة الأخلاقيات عاقبتني.
مع العلم أن هناك حالات لرياضيين تم إيقافهم متلبسين بتقديم رشاوي وأشياء أخرى أكثر مني بالأدلة الملموسة والشواهد، ولم يتم التعامل معه بنفس القسوة.