أخبار الدارسلايدر

الرسالة الملكية إلى نتنياهو.. المصلحة الوطنية والقومية بحجر واحد

الدار- علي البوزيدي

“استحضار مضمون الإعلان الثلاثي الموقع في 22 دجنبر 2020 بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية ودولة إسرائيل، بما في ذلك ما يتعلق بالمبادئ التوجيهية التي يجب أن تحكم تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”، هكذا اختتم جلالة الملك محمد السادس رسالته إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي التي دعاه فيها إلى زيارة المغرب وحيّاه على الموقف الذي اتخذته بلاده بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. هذه الفقرة الأخيرة من هذه الرسالة التاريخية تتضمن إشارات بليغة وغاية في الأهمية والتركيز. انفتاح المغرب على إسرائيل كشريك وحليف لا يعني أبدا التفريط في الالتزام التاريخي لبلادنا تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق.

هذه هي الرسالة الأساسية التي أراد جلالة الملك محمد السادس أن تصل إلى الطرف الإسرائيلي واضحة دون مواربة أو غموض. هي في الحقيقة ضربة معلم بكل ما في الكلمة من معنى. لماذا؟ أولا لأن الملك محمد السادس نجح في أخذ مسار العلاقات المغربية الإسرائيلية إلى أبعد مدى، وترجم الاتفاق الموقع في 22 دجنبر بين المملكة المغربية والولايات المتحدة وإسرائيل إلى واقع ملموس من خلال انتزاع هذا الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بمغربية الصحراء، الذي ينضاف إلى الاعتراف الأمريكي الذي سجّله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فعندما تم توقيع الاتفاق الشهير كان بعض المتشائمين يعتقد أن إسرائيل لا يمكنها بتاتا أن تقدم على خطوة الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه نظرا لوضعها السياسي الدولي الحساس بالنظر إلى القضية الفلسطينية.

لكن هذا الاعتبار كان فقط قائما في نظر المحللين أو المتطفلين على التحليل والقراءات الاستباقية، لكنه غير معترف به أبدا في دواليب الآلة الدبلوماسية المغربية، التي تمتعت بقدر كبير من الحصافة والرزانة والصبر من أجل إنضاج هذه الثمرة على مدى أكثر من عامين ونصف وإيصالها إلى هدفها النهائي. ثانيا إن البراعة التي نتحدث عنها هنا في المقاربة الملكية لا تقتصر فقط على دفع الطرف الإسرائيلي إلى الوفاء بالتزامه وعدم السماح له أبدا بالتنصل منه، بل في الحفاظ على ثبات الموقف المغربي تجاه القضية الفلسطينية، القائم على القواعد المرجعية العربية في حل هذه القضية وعلى رأسها حل الدولتين والحفاظ على الوضع الخاص للقدس وتمتيع الشعب الفلسطيني بحق العودة وتأسيس دولته المستقلة على حدود 1967، كما نص على ذلك اتفاق أوسلو والمبادرة العربية للسلام.

وتنصيص الرسالة الملكية إلى نتنياهو على “المبادئ التوجيهية التي يجب أن تحكم تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي” يتماشى تماما مع هذه المقاربة الملكية المتميزة لهذا الملف القائمة على خلق توازن دقيق بين المصلحة الوطنية لبلادنا وعلى رأسها الدفاع عن الوحدة الترابية وتعزيز دينامية الاعتراف الدولي بالسيادة الوطنية، وبين المصلحة القومية التي تتشبث بحق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة والحصول على كافة حقوقه الجغرافية والبشرية والسياسية. صحيح أن بلادنا تعتز اليوم بهذا الاعتراف الإسرائيلي بالسيادة المغربية على الصحراء، وصحيح أن بلادنا تراهن على تطوير العلاقات المغربية الإسرائيلية وتعميقها وتنويع مختلف مجالات التعاون بينهما، وصحيح أن المغرب متشبث بالحفاظ على الروابط الإنسانية والثقافية التي تجمعه بالشعب الإسرائيلي، وخاصة المواطنين اليهود المنحدرين من أصول مغربية، إلا أن هذا كله لا يمكن أبدا أن يثني بلادنا، وجلالة الملك رئيس لجنة القدس عن أداء أدواره التاريخية والدينية التي تضع على عاتقه مسؤولية الدفاع عن الشعب الفلسطيني والترافع حول قضيته في مختلف المنتديات وعلى كافة الأصعدة.

لذا يمكننا اليوم أن نجزم أن الرؤية الملكية المتبصرة التي رأت ضرورة المشاركة في اتفاقات إبراهيم في سنة 2020 والسير قدما نحو التطبيع مع إسرائيل، لم تركز في ذلك فقط على البحث عن المصالح الوطنية بل إنها تعتبر أن خدمة القضية الفلسطينية تمر أولا وقبل كل شيء عبر علاقات ثنائية ناجحة كهذه التي بدأت بين بلدينا، وكذا بين دول عربية أخرى وبين دولة إسرائيل. إنها رسالة نجحت في ضرب عصفورين بحجر واحد: المصلحة الوطنية والمصلحة القومية.

زر الذهاب إلى الأعلى