الاعتراف الإسرائيلي يفضح الحياد المزعوم للكابرانات
الدار- ليلى الدريوش
الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء حدث مؤثر بل مزلزل في مسار قضية الوحدة الترابية، والنزاع المفتعل. ليس مزلزلا فقط لأنه يمثل نجاحا باهرا للدبلوماسية المغربية في تحقيق أهدافها المسطرة منذ انبثاق الدينامية الجديدة في هذا الملف، بل هو أيضا مؤلم جدا للعديد من خصوم وحدتنا الترابية. مؤلم لحلفائنا التقليديين، وعلى رأسهم فرنسا، التي ما تزال تراهن على المتاجرة بهذا الملف في منطقة المغرب العربي، والاستمرار في نهج الكيل بمكيالين واللعب على الحبلين بين الجزائر والمغرب. ومؤلم أكثر لنظام الكابرانات، والدليل على ذلك البيان المتشنج الذي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بعد هذا الاعتراف محاولة دغدغة المشاعر القومية بكلمة باطل صريحة.
هذا البيان الذي استعمل لغة عدوانية صريحة ضد بلادنا مثل “الاحتلال” و”السيادة المزعومة” و”خرق القوانين الدولية” يفضح تماما الرواية التي يروجها الكابرانات باستمرار عن حياد بلادهم وعدم مسؤوليتها عن هذا النزاع، ورفض الجلوس إلى طاولة التفاوض حول كيفية مساعدة المحتجزين في تندوف على العودة إلى بلادهم والمشاركة في تدبير شؤونهم بأنفسهم. السلطات الجزائرية تقول دائما إنها لا ناقة لها ولا جمل في هذه القضية، فكيف تحسم في موضوع الصحراء وتعتبر الوجود المغربي “احتلالا”؟ إذا كانت الجزائر تدافع عن تقرير المصير وتنظيم الاستفتاء فكيف تستبق نتائجه وتعتبر أن الوجود المغربي في الأقاليم الجنوبية “احتلال”؟
هذا البيان الذي صدر عن الكابرانات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن غاية هذا النظام ليست هي الدفاع عن مبادئ الشرعية الدولية وإنما تقسيم المغرب وتشتيت وحدته الترابية، واختلاق دويلة تابعة للعسكر تظل شوكة في خاصرة بلادنا. لكن على ما يبدو هناك رائحة توتر وتشنج قوية تتسرب من هذا البيان. الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التفكير في فتح قنصلية بمدينة الداخلة يمثل قرارا مختلفا تماما عن كل القرارات المشابهة التي تم اتخاذها من قبل. تذكرون كيف بلع الكابرانات ألسنتهم عندما أعلن الرئيس الأمريكي اعتراف بلاده بمغربية الصحراء، لم تجرؤ حينها وزارة الخارجية الجزائرية على تحرير بيان واحد ضد هذا القرار.
ما الذي يختلف اليوم في حالة الاعتراف الإسرائيلي؟ على ما يبدو يقف الكابرانات في حالة رعب تامة أمام تعزيز المغرب لخارطة تحالفاته التقليدية أو الجديدة. دخول إسرائيل كأحد الشركاء في علاقة استراتيجية فاعلة مع المغرب، يعني تنويع القدرات الدفاعية لبلادنا، وتعزيز خبراتها في المجال العسكري وكذا الاعتماد على جالية واسعة من مغاربة العالم ذوي الديانة اليهودية الذين يرتبطون كثيرا بوطنهم ويقدرون هذه العلاقة به، ومستعدون لتقديم الكثير من أجل الدفاع عن بلادهم وعن حقوقها الشرعية والتاريخية في مختلف المنتديات والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية. هذا الرافد اليهودي النافذ في دواليب القرار وأجهزته عبر العالم يمثل إزعاجا حقيقيا بالنسبة إلى نظام الكابرانات، بل إن الاعتراف الإسرائيلي يعني ببساطة فتح عزاء لا ينتهي لدى الكابرانات.
والأهم أيضا بالنسبة إلينا في المغرب هو أن هذا الاعتراف نجح في استفزاز هذا النظام ودفعه إلى الإعلان صراحة عن تورطه المباشر في هذا النزاع المفتعل، بل والإقرار أمام العالم أن الجزائر لا تدافع عن الشرعية الدولية بقدر ما تدافع عن تشتيت المغرب وتقسيم أراضيه. ومن المتوقع أن يزيد توتر هذا النظام وقيادته إلى أبعد مدى عندما سيشرع المغرب وإسرائيل في تعزيز علاقاتهما وتفعيل مختلف بروتوكولات التعاون بينهما في شتى المجالات، خاصة أن هذا النظام يشعر اليوم بعزلة غير مسبوقة، دفعته إلى محاولة استجداء الحماية من كلّ الحلفاء المتاحين بدء بروسيا مرورا بالصين وصولا اليوم إلى تركيا. لكن هل يعلم تبون الذي يحاول شراء الحماية بأيّ ثمن كان أن بنيامين نتنياهو ومحمود عباس سيزوران أنقرة بعد أيام قليلة أيضا عقب زيارته؟