حكايات يهود بني ملال.. حلقات يكتبها طلحة جبريل (الحلقة السادسة)
الرباط/ إعداد الصحافي والكاتب: طلحة جبريل
الملك الحسن الثاني رفض بشدة تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل
روجت إسرائيل كثيراً رواية تقول إن اليهود المغاربة هاجروا طواعية إلى أرض فلسطين المحتلة، لكن هناك تقارير ودراسات خرجت من إسرائيل نفسها، تقول إن الهجرة لم تكن اختيارية، بل كانت بسبب ضغط ومناورات وإغراءات "الوكالة اليهودية"، وكان هناك الخداع أيضاً.
الملاحظ أن تلك الدراسات تعتمد بكيفية واضحة كنموذج للهجرة القسرية ما حدث ليهود بني ملال، الذين كانت أغلبيتهم الساحقة تعتقد أنهم اقتلعوا إقتلاعاً من أرضهم وحتى أولئك الذين قدمت لهم إغراءات قاموا بهجرة عكسية على غرار "موريس" شقيق "أليس"، وأيضاً على غرار آلاف ذهبوا إلى إسرائيل لكنهم اضطروا للهجرة من جديد نحو كندا وفرنسا.
في هذا الصدد تقول مصادر محلية " كان يهود بني ملال يعتزون بمغربيتهم ويرتبطون ارتباطاً قوياً مع مجتمعهم وأرضهم. مايؤكد ذلك أن أغلب اليهود الذين يزورون مدينتهم الأصلية بني ملال يأتون من كندا وفرنسا، في حين كان بعضهم أقاموا في الدارالبيضاء ورفضوا الهجرة .
هناك وثائق و تقارير رسمية لدى الموساد وباحثين اجتماعيين كشف عنها النقاب في السبعينيات والثمانينيات تبين بوضوح أن أغلبية يهود بني ملال هاجروا بسبب ظروف ضاغطة وإغراءات تتحدث عن "أرض الميعاد"، وتبين تلك الوثائق أن الأغلبية رفضت الهجرة لذلك استعمل الموساد جميع الوسائل من أجل ترحيلهم بما في ذلك الحديث عن " تهديدات" يمكن أن تطالهم.
المؤكد أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يرفض بشدة ترحيل اليهود المغاربة على الرغم من عدة محاولات واتصالات جرت مع القصر الملكي من طرف "الوكالة اليهودية" بوساطات فرنسية متعددة، وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى تهجير اليهود إلى"محطة ثالثة" قبل تهجيرهم إلى إسرائيل.
يقول محمد الحجام عن هجرة يهود بني ملال " كان عدد اليهود يتراوح ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ، غادرت المدينة آخر مجموعة منهم تجبر على الهجرة في عام 1967. كنت صغيرا وقتها، لكن أتذكر جيداً تلك "اللحظات الجنائزية".كان الجيران يبكون لفراق الأسر اليهودية، الذين كانوا ينتحبون بدورهم .كان وداعا جنائزياً، بقى ذلك المشهد راسخاً في ذاكرتي ، وما زلت أتذكر تفاصيله. تبادل المسلمون واليهود الهدايا، وترك كثيرون أثاثهم لجيرانهم".
يتذكر الحجام "أثناء صعود مجموعة إلى الحافلة، أتذكر أن أحدهم ظل يصيح بطريقة هيسترية بأعلى صوته ..وداعاً يا بني ملال، وداعاً يا مدينة العطاء، وداعا يا سمك أم الربيع وداعا يا خرشوف الزاوية، وداعا فول البزازة . هكذا ظل يذكر جميع أنواع الخضراوات والمأكولات خصوصاً السمك الذي كان متوفراً في "واد أم الربيع" .
كان اليهود يتقنون طبخ ذلك السمك ، على الرغم من أن سكان مدينة بني ملال لم يعتادوا على استهلاك السمك، لكن اليهود كانوا يستهلكونه كثيرا ويتفنون في طريقة إعداده، وتعلمت عدداً من الأسر في المدينة طريقة طبخ السمك من اليهود، بيد أن استهلاك السمك تراجع في الفترات الأخيرة بعد أن تعرض نهر "أم الربيع" للتلوث، ولم تبق تلك الثروة السمكية الرائعة ".
يعود حجام بذاكرته إلى سنوات الطفولة " لم يكن هناك ملاح في بني ملال مماثل للملاح الذي كان يوجد في بعض المدن المغربية ، أي ذلك الحي المغلق الذي يعيش فيه اليهود فقط في عزلة عن باقي المغاربة.. كان اليهود يقطنون مع المسلمين في جميع أحياء بني ملال ، وكان طبيعياً الاختلاط بينهم، كان معظم العائلات اليهودية في القصبة الكبيرة، لكن في تمازج مع المسلمين، وكان لديهم السنقوق (الكنيس اليهودي) في القصبة ليس بعيداً من المسجد".
هذا الوضع و الخارطة السكانية المتداخلة ، هو الذي سيقود إلى ظاهرة فريدة في بني ملال ، تتمثل في الزيجات المشتركة ، وهي كانت في إتجاه واحد، أي زواج مسلمين من يهوديات نظراً لتعذر زواج مسلمة من يهودي لأسباب دينية".
يطلق على اليهوديات اللاتي تزوجن من مسلمين " السلاميات" والواحدة "سلامية" وهو لقب له إحالات دينية. على الرغم من أنني التقيت أبناء بعض "السلاليات" لكنهم امتنعوا عن الحديث وتحفظوا عن ذكر أسمائهم، إذ ما يزال التفكير المحافظ في مدينة بعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى لا يقبل أن تكون الأم "يهودية".
يطرح الحجام وجهة نظر من الزاوية الدينية والسياسية بشأن مسألة "المسلمين واليهود"، فيقول "هناك تداخلات لكن ما يمكن تأكيده في هذا الصدد أنه لم يكن في الثقافة المغربية تناقض بين الاسلام واليهودية كديانة، ولكن الإشكال المطروح هو أننا لسنا أمام اليهودية كديانة نحن أمام "الصهيونية" التي تشكل حالة تعصب حيث وظفت اليهودية وحولتها إلى نظرية عنصرية وليست ديانة فقط (يطلق اليهود على المواطن المخلص لفكرة إسرائيل صهيوني)".
يواصل الحجام " إذا تحدثنا عن فلسطين فهي للفلسطينيين، قبل قيام إسرائيل كانت الأراضي الفلسطينية تضم مسلمين ومسيحيين ويهود يتعايشون بشكل راق وانسجام تام ، ولكن حين ظهرت" الصهيونية" حولت فلسطين إلى إسرائيل وشيئا فشيئا حولتها إلى دولة عبرية عنصرية لا تعترف بالديانات الأخرى ، لذلك ساد انطباع في المغرب بأنه ليست هناك مشكلة مع اليهودية كدين، لكن إزاء "الصهيونية " هناك مشكلة حقيقية .
تواتر اعتقاد أن الأسر اليهودية في بني ملال كانت تعيش في منازل شيدت في أسفلها بعض
"الكهوف"، وما تزال هناك ظاهرة مستمرة لها علاقة بهذه الكهوف، وهي الانهيارات المتواصلة للمنازل في المدينة العتيقة (القصبة)، وهناك الكثير من المنازل آيلة للسقوط بسبب هذه الكهوف.
يقول الثقاة من أبناء المدينة القديمة، إن "الكهوف" لا علاقة لها باليهود أو المسلمين.
يوضح أحدهم "ارتبطت ظاهرة الكهوف بطبيعة العمران في بني ملال حيث كانت المنازل كبيرة لأنها ارتبطت بالبيئة الفلاحية، وكانت المنازل تتسع للإنسان والحيوانات كذلك، مثل الأبقار والأغنام وكان كل منزل له كهف خاص به والذي يسمى حالياً "الصوصول" أي الطابق الأرضي.
خلال فصل الصيف تكون هذه الكهوف باردة لذلك يضع فيها سكانها أثاث وأفرشة وتكون فيها جلسات الشاي، كما تستعمل كمكان للتخزين حيث يوضع بداخلها الدجاج والبيض.
كانت هناك كهوف أخرى غير الكهوف الفردية أو العائلية وهي كهوف عامة ومصممة بشكل هندسي بما يبين أنها كانت عبارة عن مدينة تحت مدينة لها خمسة مخارج خارج السور الذي كان يحيط بمدينة بني ملال.