هل اتخذ نتنياهو طريق اللاعودة خوفا من المحاسبة؟
الدار/ افتتاحية
يبدو أن إسرائيل مصممة على ارتكاب كافة أنواع جرائم الحرب في عدوانها على قطاع غزة. من قصف المستشفيات إلى مداهمتها. لم يعد هناك أيّ حاجز إنساني أو قانوني يمنع إسرائيل من تنفيذ مخططاتها التي تراها ضرورية لاجتثاث حركة حماس والقضاء عليها. والظاهر أن الضوء الأخضر الذي حصلت عليه تل أبيب من واشنطن يسعفها تماما في تنفيذ ذلك ويوفر لها الغطاء السياسي الكافي والحماية الدولية اللازمة. لكننا لا نتحدث عن جرائم حرب مألوفة. نحن نتحدث عن أقصى درجات انتهاك الحرمة الإنسانية ألا وهي استهداف المرضى والجرحى الذين يخضعون للعلاج في المستشفيات. هذه الخطوة البالغة الخطورة تدل على شيء واحد: إسرائيل لا تعبأ بالعالم.
على الرغم من كل المناشدات الدولية سواء من الهيئات الأممية أو المنظمات الإنسانية أو من قادة وزعماء العالم أو من الرأي العام العالمي بمختلف مشاربه تصر إسرائيل على تطبيق شعارها: لا يوجد مكان آمن في غزة. المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس كلها أماكن مستهدفة للتغطية على العجز الفعلي عن تحقيق أهداف عسكرية حقيقية في الوقت الراهن. هذا الإمعان الفادح في انتهاك كل معايير القوانين الدولية والقيم الإنسانية ليس تحركه على ما يبدو روح انتقامية ملتهبة. ويبدو أن الذي يعززها أكثر هو الموقف السياسي المحرج لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. لن نبالغ إذا قلنا إن جانبا من إجرام إسرائيل في غزة هو في الحقيقة إجرام منسوب لنتنياهو بالأساس.
يدرك بيبي كما يحلو للإسرائيليين تلقيبه أن نهاية الحرب على غزة تعني بداية قيامته الصغرى. هناك محاسبة ومساءلة تنتظره بخصوص ما حدث في 7 أكتوبر لتحديد مدى مسؤوليته عن التقصير الأمني الذي أدى إلى طوفان الأقصى وسقوط المئات من الإسرائيليين. هذا الخوف من لحظة الحقيقة التي تنتظره هو الذي يدفعه اليوم إلى إطالة أمد الحرب في انتظار بارقة أمل تنقذه من المصير المحتوم. يعول بينيامين نتنياهو على تحقيق مكسب عسكري من العيار الثقيل كاعتقال أو قتل أحد القيادات البارزة في كتائب القسام أو اقتحام قواعد عسكرية تحت أرضية أو القضاء على الترسانة العسكرية لحماس. هذه الأهداف تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن.
وهذا ما يزيد نتنياهو شراسة ووحشية أكثر في تعامله مع المدنيين الفلسطينيين. قصف المستشفيات واقتحامها على الرغم من كل التحذيرات الدولية والإدانات العالمية يجسد حالة اليأس التي تسكن بنيامين نتنياهو الذين لن يتأخر حسابه كثيرا. الديمقراطية الداخلية في إسرائيل لا ترحم وأجهزة الرقابة القضائية والإعلامية والأمنية صارمة وحازمة عندما يتعلق الأمر بأمن الإسرائيليين وسلامتهم. لذا عندما يتحدث نتنياهو عن استمرار الحرب لشهور أخرى فهو يعني ما يقول، على الأقل فيما يخصه هو، فعلى ما يبدو تزداد عزلة الرجل عن شريكيه غانتس وغالانت اللذين أظهرا مؤخرا حالة من الانسجام البالغ بينما تعمدا عزل نتنياهو عن عناقهما ودعمهما المتبادل.
المجتمع الإسرائيلي ينتظر الإفراج عن الأسرى لكن الحرب العمياء التي يخوضها نتنياهو تتجه نحو تدمير هذا الهدف نفسه. وكأننا أمام رجل دولة دخل طريق اللاعودة وربما بلغ مرحلة الانتحار السياسي التي يعلنها تدريجيا يوما بعد يوم. فإلى أيّ حد يمكن للمجتمع الإسرائيلي أن يصبر على حماقات رئيس حكومته؟ لقد بدأ الرأي العام الداخلي يتململ لا سيّما مع حالة اليأس المتنامية من إمكانية استرجاع الأسرى ومع تزايد أعداد القتلى في صفوف الجنود الإسرائيليين. لسان حال العقلاء في إسرائيل يقول: هل سنفقد مزيدا من الأرواح لاسترجاع أخرى ميتة؟ فهذه هي النتيجة المنطقية لما يرتكبه اليوم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.