أخبار دوليةسلايدر

لماذا حوّلت إسرائيل حربها نحو جبهة الضفة الغربية؟

الدار/ تحليل

تدرك إسرائيل جيداً أن جبهة النار الحقيقية والمرعبة بالنسبة إلى استقرارها وأمنها هي جبهة الضفة الغربية. موقعها الجغرافي وسط خارطة فلسطين واحتضانها القدس وطول حدودها والأعداد الهائلة من المستوطنين الذين استقروا فيها كلها عوامل تجعل من الضفة الغربية جبهة حرب خطرة على إسرائيل وعلى جيشها. الجيش الإسرائيلي مستعد لخوض حرب غزة عشرات ومئات المرات، لكنه لا يتمنى أبدا أن يخوض حربا واحدة مفتوحة في الضفة الغربية. وهذا ما يفسر حرص الحكومة الإسرائيلية على مواصلة عمليات التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس لأن انفلات الوضع في الضفة الغربية يعني دخول البلاد في حالة فوضى عارمة.

مخيم جنين على سبيل المثال يمثل وحده بؤرة مخيفة لإسرائيل بالنظر إلى أنه معقل لكتائب القسام وأنصار حركة حماس في الضفة الغربية. صحيح أن هذا المخيم يخضع بدوره لرقابة أمنية صارمة من طرف أجهزة السلطة الفلسطينية لكن الزخم الهائل من المقاومين والحاضنة الشعبية الكبيرة التي توفر لهم الدعم والحماية تعقد باستمرار عمليات التوغل التي تقوم بها القوات الإسرائيلية في هذه المدينة. العملية العسكرية التي نفذها عنصران من حركة حماس أمس بالقدس وأدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين هي مجرد مثال عمّا يمكن أن يحدث مرات ومرات إذا ما قررت الفصائل الفلسطينية فتح جبهة الضفة الغربية في المواجهة العسكرية مع إسرائيل.

وهذه العملية التي أعلنتها كتائب القسام في غمرة استمرار الهدنة في قطاع ليست سوى تحذير لإسرائيل من مغبة العودة إلى مواصلة الحرب في غزة بعد أن تم تمديد الهدنة لعدة أيام إضافية. تحاول الفصائل الفلسطينية من خلال هذه المناوشات في الضفة الغربية ومناطق مختلفة منها أن تثني الحكومة الإسرائيلية عن عزمها مواصلة العدوان على قطاع غزة بعد الانتهاء الرسمي لأيام الهدنة. وتؤكد من خلال ذلك أن المقاومة الفلسطينية مستعدة لنقل الصراع من غزة إلى باقي المناطق الأخرى في فلسطين بما في ذلك المناطق التي تقع داخل الخط الأخضر. والسيناريو المرعب اليوم بالنسبة للحكومة الإسرائيلية هو احتمال انفجار الجبهة الداخلية وخروج عرب إسرائيل، المعروفين بعرب 1948 للاحتجاج ضد ما يحدث ومناصرة إخوانهم في غزة والضفة الغربية.

لذا يبدو أن إسرائيل تصغي هذه الأيام بجدية إلى نصائح حلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي شعر مسؤولها بخيبة أمل كبيرة بعد فشل إسرائيل طوال أسابيع من القصف والقتال في تحقيق الأهداف المعلنة. لقد كانت واشنطن تتمنى أن يؤدي القصف ثم الغزو البري الخاطف إلى القضاء على حركة حماس بسرعة بعيدا عن الخسائر الإعلامية الفادحة التي حصدتها مع إسرائيل في هذه المواجهة. ولعلّ المفاوضات الجارية اليوم من أجل تمديد الهدنة وتبادل المزيد من الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية تجري بالموازاة معها مفاوضات أكثر عمقا وأهمية وهي تلك المتعلقة بمستقبل حركة حماس وصيغ التخلص منها دون استئناف القتال.

فعلى ما يبدو فإن الفاتورة الباهظة التي دفعها الجيش الإسرائيلي جعلت الأميركيين يفكرون مليا في حلول بديلة تحفظ لتل أبيب ماء وجهها وتضمن للمدنيين الفلسطينيين بعض الأمن والحماية. لقد كانت إدارة بايدن تعول كثيرا على القوة الغاشمة في إنهاء هذه المعركة لكنها تفاجأت على ما يبدو بالاستعداد الكبير لحركة حماس لهذه المعركة، بل وتحويلها إلى مواجهة نفسية وإعلامية وسياسية دولية واسعة تخسر فيها إسرائيل كل يوم جزء من رصيد مصداقيتها وسمعتها لا سيما لدى الرأي العام الغربي. لذا فإن توقف إسرائيل مكرهة عن عدوانها على غزة هو الذي يدفعها اليوم إلى التركيز على جبهة الضفة الغربية للقيام بإجراءات استباقية تجنّبها حدوث الأسوأ.

زر الذهاب إلى الأعلى