فن وثقافة

سوريا.. فنان تشكيلي يحول مخلفات الحرب إلى منحوتات فنية

خلف فناء منزله في مدينة عين العرب (كوباني) شمال شرقي سوريا يجمع نشأت عمي مخلفات آلات الموت من قذائف الهاون والصواريخ وبقايا هياكل الدبابات المعطوبة والمدرعات والرصاص التي ما زالت سيد المشهد على جغرافيا مدينة عاشت حربا ضروسا بعد تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية قبل أربع سنوات.

ونجح عمي في تحويل القنابل العنقودية والقذائف ومخازن الأسلحة إلى قطع فنية مزينة بألوان الحياة، واستخدم شظايا ومخلفات الحرب، ومزجها بموهبة الرسم ليجسد ويعيد تشكيلها إلى مجسمات فنية ومنحوتات مثيرة للدهشة تتوخى الجمال والابتكار، لتكون رسالة فنان للعالم بأن السلام يمكن تحقيقه حتى من بين ركام الحروب، كما يتحدث للجزيرة نت.

ولفت عمي إلى أن جميع الأعمال التي ينفذها تعكس صور فنانين وعمال كادحين، وقصص النزوح والهجرة، وأشكالا هندسية متنوعة، فهو يلخص في أعماله عملية الخلق من الموت لكل ما يدل على الحياة والجمال.

ويواظب عمي على البحث داخل ساحات تجميع الخردة والحديد عن كل ما يراه يصلح للعمل، ويحكي أنه لم تكن لديه -وهو يجمع أدواته- أي فكرة أو تصميم مسبق للعمل، وهذه هي السمة الأساسية في النحت التجميعي أو البيئي كما يسميه البعض.

والزائر إلى مدينة العرب يلفت نظره حتما نصب جميل ومؤثر للغاية يقف وسط ساحة المدينة المعروفة بدوار "الشهيد عكيد"، وهو نصب تذكاري لمقاتل بطول ثلاثة أمتار أنجزه نشأت عمي كأول عمل متفرد بصنعه وتطبيقه مباشرة على الحديد، دون رسمه وسكب الحديد السائل على موميائه، وبوزن تجاوز 2.5 طن من خامة الحديد بطريقة فريدة استغرقت ثمانية أشهر من الكد والتعب والدقة في التفاصيل قبل ثلاث سنوات، حسب قوله.

وشارك نشأت في المعرض الجماعي المتنقل الذي أقيم بمدينة عين العرب والقامشلي هذا العام بعشرين منحوتة فنية، منها مجسمة لفتاة تعزف على آلة الكمان، وتحف ترصد ظاهرة النزوح والهجرة بملامح شباب متعبين يحملون أمتعته على ظهره في رحلات نزوح منهكة، ليتفرد كأول فنان تشكيلي في المنطقة يبتكر من هياكل الموت منحوتات فنية.

ويقول عمي "عرف الناس فن الحروب، لكن الفنان عرف فنون السلام حين صاغ فنا من شواهد الموت وصواريخها وقذائفها التي خنقت الحياة، وحولت البشر إلى أشلاء والبيوت إلى أنقاض"

ويضيف "أعتقد أن هذه الأعمال قد تساعد على نشر الأفكار أو إلهام الآخرين لإحداث نوع من التغيير وإيصال رسالة واحدة، وهي أنهم قادرون على تحويل أدوات القتل إلى أعمال إبداعية يسردون بأدواته قصص الحرب المؤلمة ويرسمون واقع يوميات المنكوبين واللاجئين والثكالى والحب والجمال والسلام، ودفعهم للمشاركة بقوة في إعادة الحياة إلى الثقافة والفن في كوباني وفي سوريا عامة".

وعاودت مدينة عين العرب نشاطاتها الثقافية والفنية المتنوعة بشكل ملحوظ بعد تحريرها من تنظيم الدولة، تبنتها هيئة الثقافة والفن التابعة للإدارة الكردية ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني بالتنسيق مع مثقفين وفنانين وهواة معوضة حرمانها هويتها الفنية والثقافية طوال العقود الماضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى