إعلان دولة القبائل.. خطوة تاريخية في نضال أعرق شعوب إفريقيا
الدار/ افتتاحية
الخطوة التي أقدمت عليها الحركة من أجل استقلال القبائل (ماك)، وحكومة القبائل في المنفى (أنافاد) من خلال توجيه برقيات رسمية، في الأسبوع الماضي إلى وزارات خارجية عدد من الدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تاريخية بكلّ المقاييس. نحن نشهد حاليا مرحلة غير مسبوقة في تاريخ القضية القبائلية بعد أن حدّدت الحركة تاريخ 20 أبريل الجاري موعدا رسميا لإعلان ميلاد “الدولة القبائلية” في نيويورك. قد تبدو هذه الخطوة في نظر البعض مجرد دعاية سياسية لا أقلّ ولا أكثر، وقد يرى فيها آخرون نوعا من المبالغة، لكن المؤكد أنها تشير إلى جدّية الطرح الذي يؤمن به الكثير من النشطاء القبائليين الذين يحملون همّ تحقيق استقلال أعرق شعوب شمال إفريقيا.
والذي يجعل هذه الخطوة أكثر جدية هو المراسلات التي سبقتها حيث لم تتردد حركة الماك في الاتصال بالعديد من الدول العربية ومن بينها ليبيا وتونس والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان علاوة على المغرب ودولة الإمارات إضافة إلى دول غربية عديدة، على رأسها فرنسا وكندا ودول أخرى، من أجل حشد الدعم الدولي لهذه الخطوة الفاصلة في مسار القضية القبائلية. والذين قد يميلون إلى التقليل من شأن هذه الخطوة عليهم أن يتذكروا أن الأفكار التحرّرية تبدأ صغيرة ثم تكبر مع استمرار تشبث أصحابها بحقوقهم ومطالبهم حتّى تتحوّل إلى حقيقة تفرض نفسها على أرض الواقع. وقضية الشعب القبائلي قضية عادلة وفقاً لحقائق التاريخ والجغرافيا والثقافة والديمغرافيا.
لا أحد يمكن أن ينكر أن مطالب حركة الماك ليست جديدة أو وليدة اليوم أو الأمس. تاريخ الحركة القبائلية يمتدّ إلى قرون سالفة عندما كانت هناك دائما مساعٍ لاستقلال الإقليم وتأسيس إمارة مستقلة ثم عادت هذه المطالب مجددا مع نضالات الحسين آيت أحمد مباشرة بعد الاستقلال، قبل أن تطفو على السطح من جديد المطالب الثقافية في بداية الثمانينيات في محطة منع المناضل القبائلي مولود معمري من إلقاء محاضرته المشهودة حول الثقافة الأمازيغية وما تلا ذلك من انتفاضة شعبية في المنطقة للمطالبة بالاعتراف باللغة والثقافة القبائيليتين. قبل أن تتبلور هذه المطالب عمليا في تأسيس حركة الماك سنة 2001 وتعلن رسميا سعيها إلى تحقيق الحكم الذاتي ثم الاستقلال.
هذا التاريخ المختصر هو أبسط ردّ على الذين يروجون بعض المزاعم حول العلاقة بين حركة الماك وبعض الدول المجاورة ومن بينها المغرب. حركة المطالبة باستقلال القبائل تجاوزت اليوم أكثر من 23 عاماً من الوجود والنضالات، وقد قدم أعضاؤها تضحيات جسام ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر ويسعى جاهدا إلى تحقيق حلم الشعب القبائلي. ومن حقّ هذا الشعب أن يعلن دولته المستقلة من جانب واحد ما دام النظام العسكري الجزائري مصرّاً على تجاهل مطالبه والتعامل معه بقدر كبير من القمع والعنف على نحو اضطر معه العديد من أعضاء هذه الحركة إلى المنفى الإجباري للنجاة من السجون والمعتقلات الجزائرية.
ولا شكّ أن النظام الجزائري الذي يدّعي أنه يمثل دولة وقوة ضاربة في المنطقة ما يزال يصمّ آذانه عن هذه المطالب، ويحاول تجاهلها ومعالجتها بمنطق كم حاجة قضيناها بتركها، لكنّه تجاهلٌ مشوب بالكثير من الخوف والقلق الذي أضحى اليوم يسكن الضفة الأخرى من حدودنا الشرقية. وفي هذا السياق وبعيدا عن أيّ رغبة في التشفّي أو الإغاظة نريد أن نذكّر الأشقاء الجزائريين أن لعبة افتعال النزاعات سهلة للغاية، ومن الممكن أن تتحوّل بسرعة إلى قنبلة موقوتة تهدّد استقرار أيّ بلد. والأسهل من هذا وذاك هو إيجاد الشرعية التاريخية لهذه النوعية من النزاعات مع العلم أننا لا نؤمن أبدا بأن مطالب الشعب القبائلي التاريخية تمثل بأيّ شكل من الأشكال حدثاً مفتعلاً لأنها تكاد تكون أقدم من الجمهورية الجزائرية المعلنة بعد الاستقلال سنة 1962.