فن وثقافة

مطعم “كازا بلانكا”.. للدار البيضاء ذكرى سينمائية في أعرق أحياء بنما

بقلم: عبد المغيث صبيح

على مرمى حجر من مقر وزارة الخارجية البنمية وعلى مشارف ساحة بوليفار، رمز التحرر في أمريكا اللاتينية، يرتسم اسم "كازا بلانكا" فوق باب أحد أشهر المطاعم بالعاصمة بنما، وتحديدا في حي "كاسكو بييخو" العتيق، الذي صنفته منظمة اليونسكو منذ سنة 1997 كتراث عالمي.

أما حكاية الإسم، فهو يحيل على فيلم "كازابلانكا" (1942) الشهير لمخرجه الأمريكي مايكل كورتيز، والذي يعد أحد أشهر الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما الذي ما يزال يسكن ذاكرة عشاق الفن السابع عبر العالم ويستهويهم رغم مرور أزيد من سبعين عاما على عرضه لأول مرة، تماما مثلما يستهوي مطعم "كازابلانكا"، منذ ثلاثة عشر عاما، العشرات من عشاق الأطباق العالمية، بنميين وأجانب.

"الفيلم، المغرب".. كان هو الرد المختصر لإحدى نادلات المطعم حين السؤال عن سر الاسم ذات مساء، قبل أن تحيل على صاحب المحل، لعله يحكي بإسهاب عن المكان، وكذلك كان.

ميغيل، الذي اختار لنفسه ولزوجته مريم، ذات الأصول اللبنانية، ولابنيه مويسيس المتزوج من مكسيكية، وكارلوس المتزوج من كاتلانية، طاولة من بين الطاولات التي يسمح له بوضعها على جنبات ساحة بوليفار، أمام بوابة المطعم، قال بافتخار وانتشاء، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن عبارة "إل ريستاورانطي كاسابلانكا" أصبحت، مثلما لم يكن الأمر في البدايات، كافية وحدها لأي سائق سيارة أجرة بالمدينة لينقل ركابه إلى عين المكان.

وحكى ميغيل، وهو في عقده السابع، كيف أن الفيلم الأسطورة قربه من المغرب، الذي عشق فيه البلاد والشعب. عشق استمر لسنوات إلى أن وجد ضالته في فكرة: محل مهجور عند زاوية شارع بالحي التاريخي، اقتناه ورممه وحوله إلى مطعم أطلق عليه اسم مدينة عشقهما دون أن تطأها قدماه، فكان أن نجحت الفكرة وازدهر المشروع.

وفضلا عن الاسم الذي يحيل على المدينة المغربية وعلى الفيلم الأمريكي، حرص ميغيل على تأثيث المطعم بصور لبطلي الفيلم، الممثل الأمريكي الراحل همفري بوغارت، الذي لعب شخصية ريك بلين، والممثلة السويدية الراحلة إنغريد برغمان، التي أدت شخصية إيلسا لوند.

وبغير قليل من الزهو والافتخار الذي يجد مبرره في نجاح المشروع، يحكي ميغيل كيف أن محله صار مقصدا للعديد من الشخصيات الوطنية والأجنبية البارزة، بينهم عدد من رؤساء بنما السابقين، ووجوه أخرى من عالم السينما والأدب والسياسة، ممن تستهويهم فرادة المكان، الذي يزداد توهجا عند حلول المساء.

فليل "كازا بلانكا" ليس كنهاره، حيث يتحول مساء إلى مكان بوهيمي ورومانسي في الآن ذاته من خلال الأجواء التي تخلقها العروض الموسيقية المصاحبة للأطباق المقدمة للزبناء، والتي تستوقف عادة الكثير من المارة من زوار الحي التاريخي، وأغلبهم من السياح الأجانب.

فخلال مساءات الأربعاء وإلى غاية السبت، يتناوب أحد عازفي الساكسوفون وفرقة موسيقية كوبية وأخرى محلية على إتحاف رواد المطعم، سواء داخله أو بفضائه الخارجي، وكذا المارة، بمعزوفات ومقاطع تنهل من ريبيرتوار الموسيقى اللاتينية، على الخصوص، تضفي على المكان سحرا خاصا وتخلق صخبا لا يعكر صفو الهدوء الذي يميز الحي ككل.

ولم تختف حالة الانتشاء عند ميغيل، حينما كشف أن مطعمه كان، قبل عشر سنوات، فضاء للعديد من مشاهد الموسم الثالث من المسلسل التلفزيوني الأمريكي الشهير "الهروب من السجن" (بريزن بريك) لمخرجه بول شويرينغ.

وإذا كان "كازابلانكا" الفيلم قد ساهم في الإشعاع الدولي للدار البيضاء، فإن "كازابلانكا" المطعم ببنما، يمثل تكريما للمغرب ولكونية المدينة المغربية، ويكرس أيضا "كونية" ميغيل، المواطن الكولومبي المتزوج من لبنانية، والذي يعيش ببنما حيث يشرف على محله الذي يرتبط بفيلم أمريكي يحمل اسم مدينة مغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى