مرضى “رهاب الزواج”.. عندما يقترن الفرح بمعاني الموت
في سن الـ18 عاما بدأ توافد الخُطّاب على منزل وفاء، وكما هي حال أهل القرى في مصر جميعا تخطب الفتاة في هذه السن، وربما تتزوج وتنجب قبل إتمام ربيعها الثاني، لكنها لم تكن مثل سائر الفتيات اللاتي كن يحلمن "بالفستان الأبيض"، إذ كانت تنتابها حالة غريبة من التعرق وزيادة في ضربات القلب، بمجرد الحديث عن الأمر تدفعها لرفض كل المتقدمين دون استثناء، وحتى سن الـ40 لم تتزوج إذ أصبحت تربط بين الزواج والموت، بمجرد أن يعلن شخص ما رغبته في الزواج بها.
تقول وفاء "تسير الأمور على ما يرام في بداية التعارف، لكن بمجرد أن يعلن أحد الأشخاص عن رغبته في الزواج، أُصاب بضيق التنفس، حينها أنزل إلى الشارع وأنظر إلى السماء، لأتخيل كيف أترك حياتي تلك، وحريتي، والشوارع الواسعة، أحس أني سأموت بالفعل، لذا أرفض حتى مجرد رؤية الشخص الذي يرغب في الزاوج مني".
هي في الوقت نفسه لا تعلم أنها قد تكون مصابة بمرض ما، غير أنها تلقي باللوم الأكبر على أسرتها، إذ ترى أنه كان لا بد من علاجها نفسيا منذ البداية حتى لا تصل لهذا العمر دون زواج، لكن قد تكون طبيعتهم الريفية لا تعترف بمثل هذه الأمراض النفسية، على حد قولها.
المشكلة نفسها تشاركها فيها ندى 21 عاما، التي تشعر بإصابتها بخطب ما، عند حضورها حفل زفاف، أو حتى بمجرد سماعها عن زواج إحدى صديقاتها، إذ تنتابها رعشة وبكاء شديدان، بالإضافة إلى ضيق في التنفس، استدعى في إحدى المرات نقلها للعلاج.
ورغم حداثة سنها فإنها تعي أسباب مشكلتها جيدا، إذ أرجعتها للعلاقة السيئة بين أبيها وأمها، وذكريات الطفولة التي جعلت الزواج يرتبط في ذهنها بصورة الأب اللعان السبّاب والمعتدي دائما على أمها، وهو ما أصابها بالـ"الخوف من الزواج" أو "رهاب الزواج".
كآبة الفرح
بالنسبة للبعض، فإن حدود الزواج مخيفة مثل الجحيم، ويعرف أي خوف غير عقلاني من الزواج بـ"رهاب الزواج"، وينتشر بشكل أكبر بين الرجال عن الإناث، بحسب ما نشره موقع هيلث توبيا، ويرجع أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك إيرين كلين بيرغ -الذي أجرى بحثا حول عزوف الرجال تحديدا عن الزواج- ذلك إلى أسباب اقتصادية بحتة، حيث يرى أن تحسن الأحوال الاقتصادية عن الماضي، وإحساس البعض بالاستقلال الاقتصادي جعل فئة الشباب في العشرينيات وأواخر الثلاثينيات يميلون للعيش وحدهم، وقد لا يفكرون في الزواج مطلقا.
ورغم أن البعض قد يتخذ خطوة فعلية تجاه الزواج فإنه مع اقتراب موعد الزفاف تفاجئه أعراض مرضية ربما آلام في المعدة لا يعرف سببها، أوخوف شديد تصاحبه هستريا البكاء، أو زيادة غير مفهومة في دقات القلب، مثلما حدث مع محمد -وهو مهندس 27 عاما- يقول "كلما اقترب موعد الزواج، وانتهاء بعض التحضيرات، أشعر بزيادة كبيرة في دقات القلب، وشعور بالكآبة وعدم إحساس بأي "فرحة".
ويتضمن هذا النوع من الرهاب أعراضا مثل تجنب كامل للزواج أو الأحداث والمناقشات المرتبطة به، وكذلك العنف والعصبية الزائدة، ونوبات الهلع وشرود الذهن، فضلا عن انعدام الثقة بالنفس وتدني احترام الذات.
هذا، بالإضافة لعلامات جسدية بدءا من الارتعاش والبكاء وسرعة ضربات القلب ومشاكل في التنفس، وصولا إلى الغثيان والقيء والإغماء والتعرق، وآلام في البطن.
أحداث الماضي تفسد مستقبلك العاطفي
هناك عدد من الأسباب النفسية التي قد يجهل البعض أنها سبب مباشر لعزوفه عن الزواج وتشمل:
– انعدام الأمن الشخصي حيث إن الزواج لدى البعض يرتبط بالمسؤولية ومشاركة جميع الممتلكات الشخصية والاجتماعية والقانونية والمالية، وقد يتطور الخوف من الزواج بسبب الخوف من هذه المخاطر.
– حادث مؤلم ذو صلة، حيث يمكن أن يرتبط الأمر بأي حدث غير مرغوب فيه ومحزن يزرع صورة سلبية للزواج في عقل الشخص، مثل كطلاق الوالدين في الطفولة، أو سوء المعاملة منهما، أو شجارهما الدائم، وأيضا فشل زواج سابق للشخص المصاب، أو خيانة أو سماع عن زواج غير ناجح على نطاق واسع.
– عدم الثقة بالنفس وضعف الصورة الذاتية وغيرها من أنواع الاكتئاب المختلفة تؤدي أيضا إلى ابتعاد الشخص عن الزواج والالتزامات، في حين أنه قد يكون على استعداد للزواج فعلا.
واجه مخاوفك
– استشارة الطبيب النفسي تأتي في مقدمة مراحل العلاج، إلى جانب العلاج الأسري.
– وتذكر دائما أن ما يهم في عقد زواج سعيد ليس مدى توافقك مع الطرف الآخر فقط، ولكن كيف تتعامل مع عدم التوافق أيضا.
– أما في الحالات الخطيرة من القلق والعزلة، يمكن استخدام أدوية مضادات الاكتئاب والقلق تحت إشراف الطبيب.