تبون يعلن ترشيحه في قناة تلفزيونية ويوحي بأنه لا حول له ولا قوة
الدار/تحليل
بعد تجريف الحياة السياسية والحزبية في الجزائر وفرض الهيمنة المطلقة للنظام العسكري المخابراتي لم يخجل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من إعلان ترشحه لعهدة رئاسية ثانية، وإشارته إلى أن هذا الترشيح جاء بناء على رغبة “الأحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية والشباب والمواطنين”. لم يتردد الرئيس الذي فرضه نظام العسكر على الجزائريين وتحوّل إلى دمية رسمية تتلاعب بها أيدي قادة الجيش والمخابرات، في إخبار الجزائريين عبر حوار تلفزيوني بنية الترشح لعهدة ثانية علما أن قواعد الممارسة الديمقراطية تقتضي أن يفعل ذلك في إطار لقاء أو مهرجان انتخابي رسمي وسط أنصاره ومؤيديه. لكن لن يُضيع تبون طبعا هذه الفرصة لاستغلال وسيلة إعلام عمومية لإطلاق حملة انتخابية قبل الأوان.
ولم يتأخر مدير ديوان تبون بوعلام بوعلام عن الظهور أمام الكاميرات لإعلان سحب استمارات الترشيح التي يحتاج إليها الرئيس لخوض هذه الانتخابات وكأن مرشح العسكر يحتاج فعلا إلى اتباع المساطر الشكلية التي تحاول إيهام المواطنين الجزائريين بانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية. من يستطيع أصلا أن يترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر؟ من المعروف أن هيمنة الكابرانات على الحياة السياسية وصناعة القرار حوّلت المشهد في الجزائر إلى مجرد مسرحية مكشوفة ومألوفة للجميع. حتّى المواطنون الجزائريون أضحوا مؤمنين بأن جدوى الانتخابات شبه منعدمة، ما دام المنافس غير موجود، وما دام مرشح الجيش هو الأكثر حظاً وفُرصاً للظفر بالمنصب الرئاسي.
ومن الواضح أن إعلان تبون ترشيحه قبل إعلان قائمة المرشحين النهائية في الـ 27 من يوليوز الجاري يؤكد أن نظام الكابرانات راضٍ تمام الرضا عن عبد المجيد تبون، ولن يجد أفضل منه مرشحا لعهدة ثانية، ولا سيّما بعد أن أثبت جدارة كبيرة على مستوى تنفيذ التوجيهات التي تمليها عليه قيادة الجيش، الحاكم الفعلي في الجزائر. إعلان الترشح بهذه الطريقة المتعالية أمام الكاميرات يعكس إلى أيّ مدى وصل الشرخ الحاصل بين عموم الجزائريين والقيادة السياسية. من المفترض أن يعبّر الترشيح الرئاسي عن درجة معينة من الاستقطاب وشريحة واسعة من القواعد الاجتماعية الداعمة، لكن هذا الإعلان لخص كل شيء، وعكس حقيقة العرس الديمقراطي المزعوم.
من المؤكد أيضاً أن اكتفاء تبون بهذا الإعلان ليس مردّه هذا الفشل في إقناع القواعد الاجتماعية فحسب، بل ينطوي على قدر من الاستهتار وعدم الاكتراث بأهمية آراء الناخبين واختيارات الشعب الجزائري، المتعطش كغيره من شعوب المنطقة إلى انتخاب من يمثله ويجسد توجهاته ويلبي تطلعاته عبر برامج سياسية وانتخابية واضحة ودقيقة. الإعلان عن الترشيح بهذا المنطق المتعالي والرسمي تهرُّب من تقديم الحساب والحصيلة الخاصة بالعهدة الحالية، وإقناع الناخبين والأنصار بالإنجازات الملموسة التي حققها الرئيس خلالها. والحال أن عهدة تبون كانت صفرية بكل المقاييس، وما زالت وعود الحملة الانتخابية التي خاضها سنة 2019 تنتظر التحقيق، ومنها قطار تامنراست الشهير، الذي لا يزال مواطنو الجنوب الجزائري ينتظرون وصوله.
يمكن أن يكون هذا الإعلان الباهت عن الترشيح إذاً علامة ضعف واضح لشخصية الرئيس الحالي. إنه يدرك فعلاً أن ترشيحه قرار عسكري بالأساس، وأن تسابقه إلى إظهار نفوذه أو شعبيته أو ارتباطه بالقواعد الشعبية لا جدوى منه، ما دام القرار الحقيقي يُتخذ في دواليب المجلس العسكري الذي يحكم البلاد. تبون رئيس ضعيف لا يمتلك لا التاريخ النضالي ولا التجذر الاجتماعي والثقافي ولا الرصيد الفكري الذي يسمح له بأن يقدم نفسه للترشيح لعهدة ثانية بأسلوب أكثر إقناعا وتأثيرا. والمشكلة الأدلّ على هذا أن تبون لم يعد قادراً حتى على إقناع نفسه بجدوى ترشيحه أو إدارته للبلاد، بعد أن رأى بالملموس أن المكانة السياسية للرئيس في الجزائر مجرد وهم ودعاية.