لماذا لا يقدم المسؤولون الرياضيون استقالاتهم؟
الدار/تحليل
لماذا يصر بعض المسؤولين على الاستمرار في مناصبهم حتّى بعد إثبات فشلهم؟ هذا السؤال هو الذي يشغل بال الرأي العام المغربي في الوقت الحالي بعد الحصيلة الهزيلة التي حصل عليها الرياضيون المغاربة في أولمبياد باريس. ميدالية ذهبية واحد بمجهود شخصي وفردي من العداء الأسطوري سفيان البقالي، وميدالية نحاسية حصدها منتخب كرة القدم بعد مشاركة استثنائية. لم يجن المغرب غير هاتين الميداليتين اليتيمتين ومع ذلك لم يتردد بعض المسؤولين على قطاع الرياضة وعلى رأسهم الإطار التقني باللجنة الأولمبية حسن فكاك في الحديث عن مشاركة مشرفة وإنجاز كبير حققته الرياضة الوطنية من خلال الوصول إلى باريس.
إلى أيّ حقبة ينتمي هذا التصريح؟ من المؤكد أنه ينتمي إلى عهد بائد لم يعد له وجود، حينما كان الأبطال المغاربة يحلمون فقط بالتأهيل إلى المنافسات القارية والدولية، من أجل الاحتكاك بالأبطال الآخرين واكتساب الخبرة، وتطوير الكفاءة الرياضية. هذا المطلب لم يعد في الوقت الحالي كافيا، ولا حلما بالنسبة إلى الجماهير على الأقل. الجمهور المغربي يبحث عن الإنجازات والألقاب والميداليات، ويريد من اللجنة الأولمبية الوطنية أن تشرف على إعداد أبطال حقيقيين قادرين على رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية، والصعود إلى منصة التتويج، ومن ثمّ الدفاع عن سمعة بلادنا ومكانتها على الصعيد العالمي. والمسؤول الذي ما يزال يحلم فقط برهان المشاركة والتأهيل تجاوزه العصر ويبدو أنه تأخر كثيرا ولا يواكب ما يحدث من حوله.
لذلك، ليس من العيب أبدا أن يبادر هؤلاء المسؤولون الفاشلون الذين أشرفوا على قطاعات رياضية مختلفة منذ زمن طويل إلى تقديم استقالاتهم إذا لم يستطيعوا تحقيق النتائج المرجوة. هذا هو الإجراء الطبيعي الذي يتخذه الكثير من المسؤولين الرياضيين عبر العالم عندما يفشلون في تحقيق أيّ لقب أو ميدالية ولا سيّما في مثل هذه البطولات التي نشاهدها مرة كل أربع سنوات فقط. الاستقالة هي شكل من أشكال تقديم الحساب وإدارة المسؤوليات، وهي تنمّ عن حسّ ديمقراطي ومستوى عالٍ من الشفافية المطلوبة اليوم بقوة في هذا المجال. ليس هناك أيّ إجراء بديل يمكن اتخاذه في حال الفشل غير الانسحاب وفسح المجال أمام مسؤولين جدد قادرين على تقديم تصورات وأفكار وبرامج مختلفة، ولا سيّما إذا كانوا من أهل الاختصاص.
الجامعة الملكية لألعاب القوى على سبيل المثال في حاجة إلى رئيس سبق له أن مارس هذه الرياضة ويعرفها جيدا، وما أكثر الأبطال المغاربة الذين تألقوا في هذا الصنف الرياضي واكتسبوا خبرات واسعة في الميدان، ويستطيعون تقديم الكثير من الإضافات في حال تم تكليفهم بهذه المسؤولية. اللجنة الأولمبية الوطنية التي تضم هي أيضا أعضاء من مختلف القطاعات الحكومية علاوة على رئاستها من طرف فيصل العرايشي منذ 2017 في حاجة إلى إعادة هيكلة حقيقية على مستوى الصلاحيات والتنظيم، لم تعد تضيف شيئا إلى الإنجاز الرياضي الأولمبي غير تخصيص المنح للفائزين. ماذا عن البرامج والمخططات؟ وما هي الاستراتيجيات العامة التي بلورتها بشراكة مع باقي الجامعات؟
للأسف لا يبادر هؤلاء المسؤولون إلى الاستقالة لأن المنطق الشرفي ما يزال مسيطرا على مناصب المسؤولية في القطاع الرياضي. ونحن في حاجة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى إحداث القطيعة مع هذا المنطق، والتركيز على مبدأ التعاقد مع أيّ مسؤول كيفما كان. التعاقد وفقاً لأهداف مسطّرة في الزمان والمكان، وبالاعتماد على ميزانية محددة مع تقديم الحصيلة بعد كل بطولة أو محفل رياضي دولي. ولعل صاحب القرار السياسي يحتاج اليوم أيضا إلى تشجيع هؤلاء المسؤولين على اتخاذ هذه الخطوة، وتقديم استقالاتهم دون أن يشكل لهم ذلك أيّ إحراج أو إزعاج لأن تدبير الشأن الرياضي لم يعد ريعاً ينعم به هذا المسؤول أو ذاك، بل هو شأن عامّ يهم المغاربة جميعا دونما استثناء.