مسابقات جمال الصغار.. هل تشوّه طفلك نفسيا؟
مثلما يعتقد البعض أن نشر صور الأطفال يجلب لهم الأذى النفسي والبدني، في المقابل هناك من يشارك بصور أطفاله في مسابقات الجمال الخاصة بالصغار. بل يلحّون في الطلب من أصدقائهم عمل "إعجاب" أو "مشاركة" لصورة طفلهم الجميل والأنيق حتى يفوز بلقب ملك أو ملكة الجمال.
تبدأ القصة عادة بأن تقوم إحدى الجهات التجارية أو الاستهلاكية بتنظيم مسابقة جمال للأطفال، وتطلب من الأهل مشاركة صغارهم فيها، ومن ثم الحصول على الجوائز المادية الضئيلة أو الحصول على عدد من المنتجات التي يسوق لها أصحاب المسابقة، وقد يكون أحد المحال التجارية أو المصانع أو الحضانة نفسها التي ينتمي إليها الطفل.
الهدف الرئيسي من هذه المسابقات هو هدف إعلاني ترويجي في أغلب الأحيان، وهو ليس بهدف جديد، فقد بدأت أول مسابقة جمال للأطفال في العام 1921 حينما قرر صاحب أحد الفنادق الترويج للسياحة ليستفيد فندقه من مكاسب هذه المسابقة التي قام بتنظيمها.
تأخذ الأم على عاتقها تجهيز صغيرها لهذه المسابقة، ومن ثم نشر صورته على مواقع التواصل الاجتماعي التي لديها، وتطلب من الصديقات والأصدقاء والأقرباء والغرباء التصويت لابنها بعمل "إعجاب" أو "مشاركة".
قد يصل الأمر لأن تنفق الأم مبلغا ضخما لشراء الفساتين ومستلزمات التجميل لطفلتها، مثلما فعلت والدة الطفلة إيزابيلا باريت، قبل أن تفوز بملكة جمال أطفال العالم للعام 2013 في برنامج "تودليرزآند تيارا"، لتتحول الطفلة بعد ذلك إلى مليونيرة نتيجة لتهافت المعلنين عليها.
تنافس أم اتجار بجمال الأطفال؟
لهذا السبب يعتبر الكثيرون أن مسابقات جمال الصغار نوع من الاتجار بالأطفال، كما يرفض هؤلاء مبدأ تربية الفتية على القيم الاستهلاكية. وإذا كان الأمر كذلك لماذا يخضع الآباء أبناءهم عن طيب خاطر لهذا النوع من المسابقات الذي لا يقيس أي شيء سوى الجمال وطريقة الملبس؟
سألنا علياء (مصممة أزياء مصرية) عن سبب حرصها على مشاركة ابنها مهند في مسابقة الجمال، فقالت إن الأمر ليس بجديد وإنها تتابع عددا من المؤثرين من الأطفال الأجانب الذين لديهم صفحاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي التي يروجون من خلالها لمنتجات معينة ويحصلون على آلاف الدولارات عن كل إعلان، وإننا في المجتمع العربي في حاجة لأن نحذو حذوهم.
وفيما يتعلق بسلبيات الأمر من تحول اهتمامات الطفل من الدراسة والتفوق إلى الشهرة بمكتسباتها وسلبياتها، تقول علياء (29 عاما) "بالعكس نحن نعلم أبناءنا المفهوم الحقيقي للحياة وهو المكسب والخسارة وكيفية جني الأموال بشكل سريع، وهذا ما يحتاجونه في العالم في هذا الوقت، كما أن الحصول على تعليم جيد في مدارس جيدة في عالمنا العربي يحتاج إلى المال الوفير، وهذا ما نحاول توفيره لهم من خلال مشاركتهم في هذه المسابقات التي نأمل أن تتجه نحو العالمية بعد تحسن مستواها".
تأثير المسابقات على الأطفال المشاركين
ينتقد آباء من يقودون أبناءهم للمشاركة في مسابقات الجمال بكونهم يحملون أطفالهم على معايير معينة للجمال ونوع معين من التصرفات التي تؤدي إلى الشهرة.
لكن المستشارة النفسية والاجتماعية وفاء أبو موسى تختلف معهم، وتقول للجزيرة نت إن "مسابقات الأطفال المتنوعة سواء أجمل طفل وأجمل إعلان وأجمل صوت إلى آخره، هي نشاط من الأنشطة الاجتماعية للأهل، فالأطفال تحت 12 عاما لا يدركون تلك القيم إنما يتبعون نهج وسلوك الوالدين في هذا الاتجاه الاجتماعي، وغالبا لا يوجد أثر سلبي على الطفل في هذا الشأن خصوصا إذا كانت أجواء المشاركة بتلك المسابقات مليئة بالتعاليم التربوية كالتحفيز والتشجيع وتقبل الآخر والاهتمام بالذات".
تستطرد وفاء "إذا لم ينل الطفل الفوز فالمفترض أن الأمر يمر على نفسيته بشكل عادي، فهم لا يمتلكون التفكير المجرد كالكبار وهو ربط العلاقات والأسباب والمسببات ببعضها، وتجد أنهم ينظرون للأمر بنظرتهم الخاصة ويرونه بصورة مختلفة تماما عن الكبار. الطفل ينظر للأمر على أنه نوع من اللعب والترفيه".
وعن مشاركة الكبار صغارهم في تلك المسابقات، تقول وفاء إن "الأمر يختلف لدى الكبار/الآباء حيث ينتشر ما بين الحماسة والاندفاع بفطرة الأبوية أو الأمومة، وقد يشعرون بالحزن نتيجة عدم فوز طفلهم أو من عدم دعم الأصدقاء لهم، وهنا يظهرون أشكالا من السلوك غير مرغوب فيها كالتعليقات اللفظية غير الموضوعية أو التقليل من شأن الأطفال الآخرين أو إشاعة جو من الخصومة بين الأصدقاء".
وتطلب وفاء أبو موسى من الآباء كذلك عدم طلب الدعم من الأصدقاء ليفوز ابنهم، وتقول إن "الأفضل أن تشير الأم إلى رابط المسابقة وتحفز الجميع على المشاركة والتصويت لمن يستحق حتى نكون موضوعيين ونرسخ السلوكيات الإيجابية في حياتنا الاجتماعية والأسرية".