صور السيلفي وجراحتها.. ظاهرة تؤكد قلق المرأة لحد الهوس
تتيح التطبيقات الشائعة مثل سناب شات وفيستون إمكانية الحصول على صورة سيلفي مختلفة تزيد الثقة بالنفس من خلال إخفاء العيوب في الوجه وتنعيم البشرة وتصفية الصورة وتبييض الأسنان وتغيير لون الشعر وتكبير أو تصغير الوجه، وغيرها من التعديلات وبطريقة سهلة.
وفي دراسة سبق أن نشرت نبه الباحثون في جامعة بوسطن الأميركية إلى أن 55% من جراحي التجميل استقبلوا مرضى يريدون إجراء عمليات في الوجه لتحسين مظهرهم في صور السيلفي، مما يؤكد على أن معايير الجمال التي فرضتها وسائل الإعلام الاجتماعية وتطبيقات تنقيح الصورة شجعت على انتشار ظاهرة "جراحة السيلفي".
هوس تغيير الملامح
تحول اهتمام نيفين (اسم مستعار) من التفوق في الدراسة إلى الهوس بتغيير الملامح بعدما سخرت إحدى صديقاتها من ضخامة أنفها في صورة سيلفي نشرت على سناب شات في عيد ميلادها الـ18.
تقول نيفين "التقطت في ذلك اليوم عشرات الصور وعدلتها بواسطة تطبيق الفيستون حتى استقر رأيي على صورة الأنف الأجمل، وأقنعت أهلي بضرورة إجراء عملية جراحية للتخلص من الأنف القبيح".
وتضيف "اكتشفت بعد عام أن صورة السيلفي ستكون أجمل إذا رسمت حواجب أكثر سماكة بالتاتو، ثم أجريت عملية للذقن للتقليل من بروزه، تلتها عملية لتصغير الجبهة ونفخ الشفاه وتبييض الأسنان.
واليوم، تعاني نيفين -الأخت الصغرى لثلاثة أشقاء شباب- من مرض الاكتئاب، حيث تجلس وحيدة في غرفتها تبكي لساعات وهي تتأمل صورها القديمة رافضة النظر في المرآة كي لا ترى الشابة التي لا تشبهها.
عدم الشعور بالرضا
على العكس من نيفين أدركت سلمى (اسم مستعار) أنها لن تشعر بالرضا عن صور السيلفي التي تلتقطها بعد إجراء أول عملية تجميل لأنفها.
وتقول سلمى "شعرت بخيبة أمل بسبب رفض طبيب التجميل إجراء عملية لتغيير شكل الأنف ليظهر مثل صورة السيلفي التي نالت على إعجاب العشرات من الأهل والأصدقاء".
تجاهلت سلمى قلقها من مبررات ذلك الطبيب، وقررت الذهاب لغيره وأجرت العملية، لكنها أصيبت بالحزن بعد نشر صورة سيلفي جديدة علق عليها الأغلبية بالاستغراب من تغيير شكلها مع إشادة بصورها القديمة.
قلق المرأة العربية
لاحظت الدكتورة جنى السلمان بعد إقامتها في الأردن أن المرأة العربية لديها قلق يدفعها إلى حد الهوس في إجراء عمليات التجميل بهدف أن يصبح شكلها أجمل في صورة السيلفي، خاصة بعد استخدام فلاتر السناب شات التي تجعلها تشعر بالرضا عن صورتها المعدلة.
وبهذا الخصوص، توضح "خلال عملي ولمدة عامين في هيوستن، كنت أرى أن الضرورة تدفع المرأة الأميركية في الأغلب إلى إجراء عملية التجميل، لكن الوضع يختلف في الشرق الأوسط، حيث إن الظروف الاقتصادية في المنطقة جعلت ظاهرة السيلفي سيرجري تختلف من بلد إلى آخر، ففي الخليج والعراق تميل أغلبية النساء إلى المبالغة في الحقن ويحرصن على إجراء عمليات تصغير الأنف وتكبير الصدر، بعكس المرأة في الأردن التي تفضل ألا يكتشف أمرها عند إجراء أي تعديل في وجهها أو جسمها".
وتشاهد الدكتورة أسبوعيا من ثلاث إلى أربع حالات من أعمار متفاوتة ومن الجنسين لديهم قناعة بضرورة إجراء عملية تجميل لا يحتاجونها، ويصدمها أن بعض المراجعين والمراجعات لديهم جهل في المخاطر الثقافية والطبية لمثل هذه العمليات.
وتعاني الدكتورة في كثير من الأحيان في إقناع أي منهم بأن صورته الطبيعية على الهاتف المحمول أجمل من الصورة المخزنة أو المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن أيا من فلاتر السناب شات لا تتناسب مع تقاسيم وجهه.
العدسات الملونة
يؤكد اختصاصي البصريات أن "الفتيات يملن لاستخدام العدسات الملونة التجميلية أكثر من الشباب، خصوصا في الحفلات والمناسبات".
وتختار الكثير من الفتيات لون عدسة العين بعد استخدام مؤثرات السيلفي أو بهدف تقليد فنانة أو نجمة من نجوم الميديا، كما أصبح لون عيون كلب الهاسكي من الألوان الرائجة، لذا تعمد شركات تصنيع العدسات الملونة لاختيار شخصيات نسائية مشهورة لترويج العدسات الجديدة.
وينصح سليم الفتاة السمراء باختيار العدسات من اللون الأخضر ومشتقاته، واللون الأزرق ومشتقاته للبشرة البيضاء، ويليق بالحنطية العدسات من اللون الأخضر أو الأزرق المخضر.
صورة سيلفي جميلة
تستطيع الأنثى أن تحصل على صورة سيلفي جميلة دون إجراء عملية تجميل، هذا ما يؤكده المصور الفوتوغرافي، ويضيف "لا بد قبل التقاط صورة السيلفي اختيار الإضاءة المناسبة، ثم الاهتمام بالزاوية الأفضل لتصوير الوجه حسب الأنف الذي يعتبر مركز الوجه بشكل عام، كما يجب الاهتمام بتعابير الوجه، والتأكد من أن تكون الابتسامة مميزة".
وبإمكانك التقاط الصورة بواسطة الكاميرا الخلفية للهاتف المحمول دون استخدام الفلاش، مع مراعاة عدم رفع الجهاز أعلى من مستوى الرأس.
الأثر الاجتماعي لثقافة الصورة
ساهمت ثقافة الصورة اللحظية في عرض كم هائل من الأشكال البشرية من خلال شاشاتها وتحديدا وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساهم في إباحة الخصوصية والإصابة بتضخم الأنا وتضيقها إلى حد الجسد.
ويفسر الدكتور البروفيسور في علم اجتماع التنمية وأستاذ علم اجتماع التنمية أن "العلاقة بين الناس من خلال هذه الوسائل أصبحت علاقة مرتبطة في التصور عن الآخر ولكنها بالأساس انطلقت من دواخلنا".
التصالح مع الجسد
ويبين الدكتور أنه وقبل انتشار التكنولوجيا كان الكثير منا يطمح لخلق نوع من التصالح بينه وبين أي جزء من أجزاء جسده، ولكن بعدما أصبحت ثقافة الصورة تتسيد حواسنا عموما وأبصارنا تحديدا بدأ الإنسان -خاصة الإناث لرهافة مشاعرهن واهتمامهن بمظهرهن- بإجراء المقارنات التي تتأثر في الأغلب بالنموذج الغربي للجسد.
وبعيد العولمة أصبح الجسد مركز الأشياء من حيث المتع والتسويق والإغواء ودخل بمجمله في أغلبية المجتمعات كواحد من أدوات الإنتاج وأصبح حاضرا من حيث الاستهلاك ومن حيث تقديم الخدمات المختلفة.
ويؤكد الدكتور أن تطور الطب وتقدمه واستثماره وسائل التكنولوجيا في تسويق العمليات الجراحية والتأكيد على أنها آمنة ساهم في انتشارها، مما جعل عملية تعديل أي جزء من الجسد لا يعبر عن عقدة بقدر ما يشير إلى سيادة القيم أو الحرية الفردية.
وهذا الاهتمام لا يقتصر على جيل وإنما يحركه مدى اتساع الحرية الفردية للأشخاص وتركيز اهتماماتهم اليومية وهواياتهم بحدود الجسد، لذلك نجد أن الأشخاص الذين يغيرون أشكالهم من أجل صورة السيلفي بعيدون عن القضايا العامة، ولديهم في الأغلب نوع من الجفاف الفكري، والذات هي مركز الأشياء في كل ما يعملون.