أخبار الدار

لبكر: الدولة تتقدم خطوة وتتراجع خطوات في ورش الجهوية (1)

حاوره: رشيد عفيف

يعتبر رشيد لبكر أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا التابعة لجامعة محمد الخامس أن الجهوية بالمغرب ما زالت مشروع دولة مؤجل التنفيذ، مضيفا في الجزء الأول من هذا الحوار أن السلطات لا تزال تتقدم خطوة تتراجع خطوات في التفعيل الحقيقي للجهوية. ويفسر الباحث رشيد لبكر هذه المسألة بكون الجهة لا تزال تبحث عن امتدادها المجتمعي وبكون شرعية وجودها ما زالت غائبة عند الغالبية الكبرى من المواطنين. 

-ما هو تقييمكم لمسار الجهوية بعد أكثر من أربع سنوات من صدور القوانين الجديدة المنظمة؟

–أولا التقييم ليس بالمسألة السهلة ولا يمكن الادعاء بأن شخصا بمفرده، مهما بلغت درجة علمه، يدعي إمكانية إصدار تقييم شامل عن  مشروع بمثل هذه الضخامة والتعقد والتفريع، وبالتالي فالتقييم، العلمي والموضوعي، تسلتزمه مكاتب متعددة التخصصات وإمكانيات  مالية ولوجيستية وبشرية هامة، لدراسة المشروع من كل الجوانب وفق رؤية تكاملية، ومن ثمة الوقوف على مكامن القوة وجوانب الإخفاق، بدون مزايدات سياسوية ولا انطباعات ذاتية ولا اندفاعات متسرعة، لذا فمجمل ما سأقوله، لا يعدو أن يكون أفكار خاصة، من باحث متتبع، دون الادعاء بتقييم شامل للتجربة. عموما، أستطيع القول، إن الجهوية بالمغرب مازالت مشروع دولة مؤجل  التنفيذ، أقصد التطبيق الفعلي والشامل، وبالشكل الذي نظر له ويريده رئيس الدولة منذ عهد الحسن الثاني وإلى الآن في عهد جلالة الملك محمد السادس، فالدولة ما زالت تتقدم بخطوة في مجال التفعيل الحقيقي للجهوية وتتراجع بخطوات في الوقت ذاته، وبالتالي ما زلنا نراوح مكاننا، وكل ما نفعله على مستوى القوانين والتقطيعات الترابية، مجرد ترميمات لنسخة واحدة، منقحة ومزيدة. يمكنك  مثلا أن تستشير أي مواطن، المتعلم وذو التكوين العالي قبل غيره، عن دور الجهة في المجال الترابي الذي يعيش فيه، بل عن وجودها واختصاصها ومن يكون رئيسها، لن تجد الجواب إلا عند قلة من المتخصصين.

ما سبب ذلك في نظرك؟

 –السبب أن الجهة ما زالت تبحث عن امتدادها المجتمعي، فشرعية وجودها مازالت غائبة عند الغالبية الكبرى من المواطنين، لاسيما في ظل كثرة المؤسسات وتعدد المتدخلين في المجال الترابي: الجهة، العمالة، الإقليم، مجالس العمالات والأقاليم، والجماعات الترابية، مجالس المقاطعات. أنا كأستاذ القانون العام، ما زلت أجد صعوبة كبيرة في توضيح التمايز القائم في الاختصاص بين صفوف الطلبة وأتفهم ذلك، فما بالك بمن لم يتلقى أن تكوين أو تنشئة سياسية معينة، في ظل تراجع دور الأحزاب وانحدار الاهتمام بالشأن السياسي، هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة، لذلك، أنا أعتقد أن الجهة، التي نظر لها، على أساس أن تكون هي الدينامو الفعلي للتنمية الترابية على المستوى المحلي ما زالت ليس لها الإمكانات الكافية للقيام بهذا الدور، علما وهذا هو الأساس، أن جهويتنا، مازالت ذات بعد إداري محض، أي منحصرة في اختصاصات معينة وتحت إشراف الدولة ورقابتها، أما الجهة الأخرى، التي نحلم بها، أي ذات البعد السياسي والتقرير الفعلي، فمازالت حلما على المدى البعيد، فلا الدستور الحالي يقول بذلك، وبالتالي فمن الطبيعي أن تتكيف القوانين التنظيمية مع المنصوص فيه، ولا يمكن بالتالي انتظار سقف أكبر من ذلك. الجهوية مشروع مجتمعي ورؤية نظام وإرادة دولة، أكثر منه قضية تفصيل قانوني.

-هناك من يعتبر أن الدولة لا تزال مترددة في تفعيل شامل وكامل لمغرب الجهات ما سر هذا التردد في نظركم؟

–جزء من الجواب، أوردته في جوابي عن سؤالي السابق، وكما قلت سابقا، الدولة ليس لها بالفعل كامل الإرادة في التفعيل الشامل لمغرب الجهات، أو ربما إرادتها مشلولة، بعدم كفاية المعطيات التي تشجعها على المضي قدما في تفعيل الجهوية، والصعود بها إلى السقف المأمول دستوريا أولا ثم تنظيميا ثانيا، ومن المثبطات التي ربما تفسر هذا التردد، هناك أولا مشكل النخب المحلية، التي مازالت تصر على تقديم صورة غير إيجابية عن العمل الانتدابي الترابي المحلي، وتحوله أمام أعين المواطن، مع كامل الأسف، من  حلبة لتسابق الأفكار والرؤى والمشاريع، إلى حلبة للفوز بالعضوية داخل المجالس واكتساب المنافع، ولو كان على حساب توقيف أو تأجيل مسارات التنمية في الجهة، يتم ذلك أمام الجميع وبتزكية من الأحزاب التي تمثلها، هذه الأحزاب، التي أضحت تثبت براعتها في الاقتراح وقوتها في النضال فقط في المسائل التي تؤمن مواقعها.

ماذا تقصد بذلك هل تتقاعس الأحزاب عن أداء دورها في تفعيل هذا المشروع؟

–لعل النقاش الدائر حول تعديل الفصل 47 من الدستور خير مثال على ما أقول، فهي تناضل فقط  فيما يؤمن مواقعها أما أن تشحذ آلتها التفكيرية لاقتراح ما من شأنه تقوية الأداء الترابي وتمتين طرق المراقبة والتقييم عليه فلا نجده، أو ربما قليل جدا، لذلك أعتقد شخصيا، أن الجهوية كما تمارس الآن في طابعها الإداري هذا، كانت بمثابة تمرين عملي، خرجت به الدولة بانطباعات واقعية، حول كفاءة النخب التي يمكن أن تعول عليهم في تطوير المشروع الجهوي نحو آفاق أكبر، مع الأسف أقول إن هذه النخب خرجت "راسبة" في هذا التمرين، وبالتالي هذا يعزز تردد الدولة الذي ورد في سؤالك، أما المثبط الثاني، فأعتقد أنه ذو بعد اجتماعي بالأساس،  فالدولة في اعتقادي أضحت متخوفة من تنامي بعض الدعوات الفئوية، والتي قد تتحول بسهولة، إذا لم يتم التعامل معها بعقلانية وحذر، إلى مذاهب عرقية قد تشكل خطرا على تماسك الأمة.

لبكر: مجالس الجهات منشغلة عن العمل بصراعاتها الداخلية (2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى