أخبار الدار

لبكر: مجالس الجهات منشغلة عن العمل بصراعاتها الداخلية (2)

حاوره: رشيد عفيف

في الجزء الثاني من هذا الحوار يدعو رشيد لبكر أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا التابعة لجامعة محمد الخامس إلى فتح نقاش عمومي موسع في مسألة الجهوية، متسائلا عن كيفية تنزيل ورش الجهوية في حال قبول مشروع الحكم الذاتي في الصحراء. كما ينتقد مجالس الجهات التي تنشغل كثيرا بصراعات مكاتبها وهيئاتها بدل الانكباب على العمل والتخطيط للمشاريع وتنفيذها، معتبرا أن هذه المجالس لا يمكنها الركون دائما إلى الانتظارية والاختباء وراء الإمكانات لتبرير العجز، ومن تم طلب تدخل الدولة لتحل محل المجالس في تنفيذ اختصاصها.

في الجزء الأول من حوارنا حول تقدم مشروع الجهوية رسمت صورة قاتمة عن سير هذا الورش الذي لايزال بطيئا. ما الذي ينبغي القيام به الآن للتسريع في هذا المشروع؟

 –أرى أن الوقت قد حان الآن لفتح نقاش عمومي موسع، من أجل وطن يسع، وكما كان دائما، يسع الجميع، بدون إقصاء ولا تهميش، نقاش، غرضه، وضع بعض المطالب الفئوية في إطارها الموضوعي الصحيح، بدون شعبوية ولا استغلالات مغرضة. الجهوية بإمكانها أن تكون هي الحل لهذه المطالب، كما يمكنها أن تصبح هي المشكل بالنسبة للدولة، وقد تابعنا مثلا ما وقع في الجارة الإسبانية، وحتى في دول أخرى، فالعالم أصبح جد معقد وشبكاته لم يعد بالإمكان حصرها ولا ضبط قوة تأثيرها واختراقها، وبالتالي لم يعد من السهل على الدولة المراهنة الآن على الجهوية لحل كل المطالب الفئوية، بدون النقاش الموسع التي ذكرت، لتوضيح الرؤية و تحميل كل طرف حدود مسؤوليته ومن ثمة بناء عقد اجتماعي جديد في بلادنا، يحافظ على السلم والأمن والاستقرار والتعايش القائم في بلادنا. المشكل الثالث الذي ما زال يهوي بثقله هو الآخر على المسار الجهوي، متمثل هذه المرة في حل قضيتنا الوطنية، المتعلقة بالأقاليم الجنوبية الصحراوية.

– ما علاقة القضية الوطنية بهذا الورش الخاص بمشروع الجهوية؟

–لا تنس أن الأقاليم الجنوبية مقسمة الآن بين ثلاث جهات، وهناك مقترح للمغرب متمثل في الحكم الذاتي، فكيف سيتم  تنزيلهما معا في حالة القبول التام لهذه التسوية الأممية، أقصد الجهوية والحكم الذاتي، هذا سؤال، لكن وكيفما كان هذا التنزيل، فلا بد أن نلائم  باقي الجهات معه، ضمانا لمبدإ الإنصاف الترابي الذي نتحدث عنه. شخصيا، أرى أن بلادنا لو وجدت حلولا للمشكلين السابقين للذين ذكرتهما، يكون عليها أن تمر مباشرة إلى تطبيق الجهوية كما تتصورها في كل الجهات، تأكيدا لمغربية صحرائها.

-تواجه المجالس الجهوية بعض التحديات التي على رأسها التمويل. هل يمكن ان يمثل هذا المشكل عائقا أمام تفعيل  حقيقي لمغرب الجهات؟

–طبعا التمويل مهم، لكن أعتقد أن الأصعب من التمويل، هو وجود إمكانات هائلة مع افتقاد الرؤية وضعف الحركة على الفعل. الجهات الآن، تتوفر على إمكانات مالية مهمة، لكن العديد منها، منشغل عن الانكباب على  تنفيذ المشاريع التنموية بصراعات مجالسه الداخلية، البعض الآخر مازال تائها ولا أعتقد أن له رؤية حقيقية حول ما يجب فعله. التنظيم الجهوية والتقسيم الذي رافقه، حول أن يقيم نوعا من التوازن بين الجهات على مستوى الإمكانات المالية، ونص على مقتضيات أخرى، تصب في اتجاه تقوية التضامن والتعاون بين الجهات، لمضاعفة الإمكانات المالية وتوحيد الجهود، وهذه معطيات هامة، يمكن الارتكاز عليها للعمل الفعلي، لذلك لا يمكن الركون دائما إلى الانتظارية والاختباء وراء الإمكانات لتبرير العجز، ومن ثمة طلب تدخل الدولة لتحل محل المجالس في تنفيذ اختصاصها، يجب تجاوز هذه النظرة الاتكالية، وقد قلنا سابقا، أن الدولة ما زالت تتعامل مع المسار الجهوي بروية و"حذر" إلى أن تنضج الفكرة ويتم التغلب على المؤشرات غير المريحة القائمة الآن، وبالتالي فليس بالإمكان أكثر مما كان في ظل الظروف الراهنة، وبدلا عن ذلك، يجب على الجهات "أن تظهر" للدولة قدرتها على الفعل وأن تبني مصداقيتها بنفسها، كي تقنع الدولة بالتقدم معها في تطوير التجرية، فالمؤشرات الإيجابية وحدها التي تشجع على التطوير وليس العكس.

-هل يمكن أن يعيق الحضور القوي لسلطات الوصاية رغم القوانين الجديدة انطلاقة حقيقية للمجالس؟

كما سبقت الإشارة، فإن الطرق التي تسير بها بعض المجالس، وتأخر المشاريع عن التنفيذ، وانشغال المجالس بصراعاتها الداخلية على حساب التنمية، يعطي بدل المبرر عشرة، عن ضرورة إعمال رقابة الدولة، وعليه، أنا لا أعتبر ذلك مشكلا في ظل المؤشرات القائمة، بل هو عامل مساعد على حماية المال العام وصون حرمة القانون، وقد يكون لهذا السؤال جواب آخر، لو كنا أمام تجارب ميدانية، مقنعة وبمحصلات مشجعة. جهوية المغرب مازالت تصنف في الإطار الإداري، وبالتالي فحضور أجهزة الرقابة الدولتية شيء عادي ومهم، في مشروع ما زال يبحث عن ذاته، وينتظر انطلاقته المعززة بأرقام ومشاريع ميدانية يستشعر المواطنين أهميتها، فالمواطن  يبقى في الأخير، هو الفيصل في الحكم على عمل هذه المجالس من عدمه، لاسيما أننا نتكلم عن مشاريع انتدابية، غايتها خدمة المواطن في المجال الترابي الذي يعيش فيه، وهو الحكم  الأخير، في تقييم ما قدم وأنجز من عدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى