فن وثقافة

“المراقبة الليلية”.. هكذا تتم أكبر عملية ترميم فني بالتاريخ

بدأت في تمام الساعة التاسعة صباح الاثنين الماضي الموافق 8 يوليوز أكبر عملية ترميم فني في التاريخ، بمتحف ريكز بأمستردام للوحة "المراقبة الليلية" للفنان الهولندي رمبرانت فان راين، حيث يتم تنفيذ العملية داخل مبنى كاتدرائية الفنون الذي شيد عام 1885، حيث تشغل اللوحة مكانا بارزا به.

وعلى مدى أسبوعين كاملين تم بناء إطار حديدي، لترتكز عليه الألواح الزجاجية الشفافة للغرفة التي صنعها المهندس المعماري الفرنسي جان ميشيل ويلمون بمساحة سبعة أمتار، مع فريق عمل مكون من 12 خبيرا يعملون على استعادة اللوحة التي تعتبر من أكثر اللوحات إثارة وأهمية في العالم.

قال مدير المتحف تاكو ديبيتس "إن تحريك أي لوحة صعب للغاية، خاصة لوحة المراقبة الليلية، بسبب حجمها ووزنها الكبير الذي يبلغ 337 كلغ، لذا علينا أن نكون حذرين للغاية" حيث تم تحريك اللوحة يدويا بداية الأمر، ثم رفعها هيدروليكيا إلى عربة بعجلات مصممة خصيصا لنقلها، ثم تدفع داخل الغرفة الزجاجية المصممة بباب واحد مرتفع للغاية مما يتيح دائما تحريك اللوحة دون أي اهتزازات. 

يواصل ديبيتس حديثه قائلا إنه لاحظ السنوات الأخيرة مع زملائه تدهور حال اللوحة، وظهور بقع ضبابية على أجزاء مختلفة منها، ولأنها لوحة مهمة بشكل كبير، يرغب الكثير من الناس في رؤيتها باستمرار، وتعتبر جزءا من تاريخ هولندا، شعرنا أنه يتعين علينا الاستمرار في عرضها حتى أثناء ترميمها، لذا قررنا إذاعة بث حي لعملية الترميم".

طريقة الترميم
يقوم الخبراء في البداية برسم اللوحة بالملليمترات باستخدام الماسح الضوئي، في عملية تقنية تستغرق حوالي سبعين يوما، باستخدام تقنيات التصوير الفوتوغرافي عالي الدقة وتحليل الصور عن طريق الحاسوب، ثم يتم تعيين صور مفصلة للوحة والطلاء والقماش المستخدم في الرسم، وكل طبقات اللوحة بشكل منفصل، ثم بعد ذلك يقرر الفريق الخطة الدقيقة للاستمرار في عملية الترميم. 

وتسمح الغرفة الزجاجية والبث المباشر للجمهور بمتابعة أكبر عملية ترميم في التاريخ، وفتح نقاشات مطولة حول العمل، واستكشاف الأصباغ المستخدمة، والطريقة التي استعملها رمبرانت في الرسم والتلوين.

ويؤكد ديبيتس أن المخاوف -التي أثيرت حول عملية الترميم وتسببها في إزالة التأثير الدرامي الأصلي للظل والنور، كما عمل عليه رمبرانت- لا أساس لها، وسيعمل فريق الترميم على استعادة اللوحة بشكل يحافظ على هذا التباين الكبير كما اختاره رمبرانت، بالإضافة إلى تأكيده على الجودة العالية للمواد المستخدمة في الترميم تقنيا وتكنولوجيا، بحيث لا تحتاج اللوحة إلى أعمال ترميم جديدة في الأجيال القليلة القادمة.

يُذكر أن اللوحة تم ترميمها أكثر من 25 مرة، آخرها عام 1975، بعد أن قام هولندي بقطعها بسكين قطع طولها حوالي 40 سم صارخا "فعلتها من أجل الرب". 

تاريخ اللوحة
تقع لوحة المراقبة الليلية في مساحة 3.5 أمتار* 4.5 أمتار بالألوان الزيتية، وقد رسمها رمبرانت بين عامي 1640/1642 في ذروة العصر الذهبي الهولندي، بتكليف من رئيس الحرس المدني بأمستردام، وهي مثال على نوع محدد للغاية من اللوحات التي كانت تنفذ فقط في شمال هولندا. 

وتمثل اللوحة صورة جماعية لمجموعة من الحراس المدنيين المدافعين عن مدينتهم، عن طريق حراسة البوابات والشوارع، وإطفاء الحرائق والحفاظ على الأمن العام. بالإضافة إلى ذلك كان لحضورهم أهمية كبيرة في المسيرات الاحتفالية والزيارات الملكية، وكان لتلك اللوحة أهمية كبيرة في تأكيد سلطة المدينة وتعزيز الشعور بالفخر والواجب الوطني.

ولم يستخدم رمبرانت الطريقة المتداولة في ذلك الوقت في تكرار ترتيب صفوف الحرس المدني بشكل ممل، لكنه اختار ترتيبا جديدا أكثر ديناميكية لرجال يرتدون دروعا وخوذات بأشكال مختلفة، أمام ممر ضخم، ربما يرمز بشكل ما إلى بوابة المدينة التي يجب الدفاع عنها.

بينما تحتوي اللوحة على أنواع مختلفة من الأسلحة، وكان السلاح الأبرز هو البندقية التي كانت السلاح الرسمي للحرس المدني، وتظهر اللوحة ترتيب الرتب العسكرية بشكل هرمي أكد رمبرانت من خلاله على ترتيبهم الفعلي لعملهم العسكري.

وتكشف اللوحة بوضوح عن فكرة رمبرانت عن الضوء والظل من خلال الشخصين المضيئين بقوة بالأصفر والأحمر المسيطرين على جانبي التكوين، بالإضافة إلى الفتاة منتصف اللوحة والتي تضيء باللون الأصفر والتي تعزز معهم تأثير الضوء ودرامية الظل التي ربما أكسبت اللوحة اسمها الذي لم يختره رمبرانت من الأساس.

عنوان غير صحيح
ليس من المعلوم بعد هل عملية الترميم الأخيرة ستعيد اللوحة لصورتها الأولى كما تركها رمبرانت منذ أكثر من 370 عاما، أم ستبقى معروفة بعنوانها غير الصحيح "المراقبة الليلية" حيث إن الحراس المدنيين في وقت رسم اللوحة كانوا قد أصبحوا سلميين، ولم يعد من الضروري لهم الخروج ليلا أو نهارا لحراسة أبواب المدينة، وتحولت اجتماعاتهم إلى أغراض اجتماعية أو رياضية. 

ويؤكد نقاد ومؤرخو الفنون أن اللوحة تغيرت بمرور السنوات، وتراكم الأوساخ، وتغير ألوان طبقات الطلاء والورنيش، لدرجة تجعل من الصعب التأكيد ما إذا كانت اللوحة نهارية وتعتمد إضاءتها على الشمس، أم ليلية وتعتمد إضاءتها على القمر، لكن وجود مجموعة الحرس المدني مع الإضاءة الدرامية وفكرة حراسة المدينة رسخت لعنوان اللوحة الذي ربما يكون غير صحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى