لماذا لا تريد موريتانيا تصفية نزاع الصحراء المفتعل؟
الدار/ تحليل
من الواضح أن النهج الذي رسّخه الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع ما يزال متّبعا في نواكشوط إلى يومنا هذا فيما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء المغربية. موقف كشفته مؤخرا وثائق أميركية رُفعت عنها السرية وأظهرت أن ولد الطايع كان حريصا باستمرار إبّان فترة حكمه التي دامت من 1981 حتّى 2005 على استمرار النزاع في الصحراء، وعدم توصل الأطراف إلى أيّ تسوية، لأنه كان يتخوف من انعكاس ذلك على استقرار موريتانيا، وفقدان مبرر وجود نظامه العسكري. وهذا المعطى التاريخي الذي ظهر مؤخرا يؤكد للمفارقة النهج نفسه الذي يبرر استمرار معاكسة نظام الكابرانات في الجزائر للوحدة الترابية للمملكة.
النزاع في الصحراء بالنسبة إلى الجزائر وموريتانيا رأسمال سياسي وأمني مهم لا يريدان خسارته أبدا. إنه يمثل ذريعة قوية ومقنعة للشعبين ولمراكز القوى في البلدين من أجل استمرار القبضة الأمنية والإنفاق على الجيش والعسكر، ونهب مقدرات البلدين، بدعوى التصدي للتداعيات والمخاطر الأمنية الناجمة عن هذا الصراع. هذا أمر أضحى مكشوفا في الجزائر منذ زمن طويل، وللأسف يتّضح اليوم بجلاء أن المنطق نفسه يحكم توجهات الأشقاء الموريتانيين الذين اعتقدنا لوهلة أنهم بدؤوا يُصغون لصوت العقل، وينزَعون نحو تبني مواقف أكثر إيجابية تدفع نحو الطيّ النهائي لهذا الملف، ومن ثمّ الانكباب على تعزيز التكامل المغاربي الذي يعد الحلم الأكبر لسكان شمال إفريقيا.
واليوم يختلف الأمر عمّا كان في زمن معاوية ولد الطايع. والاختلاف الرئيسي هو أن المغرب أضحى واعيا تمام الوعي بهذا الموقف السلبي، ويهيئ له ما يلزم من ردود الأفعال الدبلوماسية والسياسية واللوجستية المناسبة. على سبيل المثال فإن قرار إطلاق الخط البحري المكثّف بين مينائي أكادير ودكار، يمثل خطوة استباقية لأيّ قرار جديد قد يتخذه النظام الموريتاني من أجل إغلاق المعبر البري الكركرات، الذي تمرّ به مئات الشاحنات المغربية يوميا لتزويد الأسواق الموريتانية وأسواق غرب إفريقيا بالبضائع والسلع المختلفة. المشكلة اللوجستية يمكن تجاوزها بهذا الإجراء، ولا سيّما بعد دخول ميناء الداخلة الأطلسي الخدمة، حيث سيكون أحد أكبر موانئ القارة الإفريقية.
لكن هناك جوانب أخرى مهمة ينبغي أيضا العمل عليها فيما يتعلق بالتصدي لهذا التلوّن الموريتاني. موريتانيا فاعل رئيسي في المنطقة، وكان لها دور تاريخي في هذا النزاع المفتعل بصفتها بلدا جارا مطلا على الصحراء المغربية. والنظام القائم في نواكشوط ما يزال مصرّاً حتّى اليوم على تجاهل الدينامية الإيجابية التي يشهدها ملف الوحدة الترابية للمملكة، وتجنّب ملاءمة السياسات الخارجية مع هذه المستجدات. إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وكذلك إسبانيا التي تمثل القوة الاستعمارية السابقة، وغيرها من القوى الدولية والإقليمية والإفريقية قد بادرت إلى الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، أو على الأقل دعم مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه بلادنا، فما الذي تنتظره نواكشوط وهي جزء لا يتجزأ من هذا الصراع؟
التفسير الوحيد هو الذي أشارت إليه الوثائق الأميركية حول سياسة معاوية ولد الطايع. النظام الموريتاني يرى مصلحته للأسف في استمرار النزاع، لأنه يريد أن يتكسّب من ورائه، تارة من سخاء البترودولار الجزائري، وتارة بالابتزاز الذي تمارسه ضد المغرب. وهذا النهج أضحى اليوم مرفوضا تماما. قضية الوحدة الترابية للمغرب ليست للمساومة أو الابتزاز، وعلى السلطات الموريتانية أن تغير قراءتها وتقديرها للموقف الدولي والإقليمي. من مصلحة موريتانيا أن تجنح نحو دعم السيادة المغربية لأنها هي الضامن الوحيد والفعلي للاستقرار في المنطقة، بما في ذلك استقرار موريتانيا نفسها. أمّا استنبات دويلة جديدة من العدم فلن يكون إلا مصدرا للمزيد من التوتر والقلاقل والانفلات في منطقة الساحل والصحراء، ولا شك أن نواكشوط ستكون أكبر المتضررين من ذلك.
وفي هذا السياق يجب أن يتذكر الإخوة الموريتانيون أن بلدهم المترامي الأطراف كان إلى الأمس القريب جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية المغربية، وأنه يظل بسبب رقعته الجغرافية الهائلة معرضا للكثير من أسباب التوتر والنزاع. وهذا يعني أن مصلحة موريتانيا والمغرب واحدة ومشتركة، والمبادرات التي تطلقها بلادنا في المنطقة على غرار أنبوب الغاز أو الانفتاح على المحيط الأطلسي ستصب أولا وأخيرا في مصلحة نواكشوط وستستفيد منها استفادة كبيرة. لكن هذا الأمر لا يمكن أبدا ما دامت موريتانيا تنهج هذه الاستراتيجية الغامضة والملتبسة تّجاه قضية كان من الممكن أن تُحسم منذ زمن لو اتخذت بلدان الجوار مواقف أقلّ عداء وتآمرا.