هل حان موعد التضحية بوزير الخارجية الذي زاد عزلة الجزائر؟
الدار/ تحليل
في منتصف شهر مارس من سنة 2023 عيّن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزيرا جديدا للخارجية في شخص أحمد عطاف. وعندما وقع الاختيار على هذا الرجل لخلافة رمطان لعمامرة حاول النظام الجزائري أن يرسم صورة بطولية عن المسؤول الجديد الذي تحمّل أعباء الدبلوماسية الجزائرية باعتباره رجلا ذا خبرة، راكم الكثير من التجارب في المحافل الدولية وفي مختلف المواقع والتمثيليات الدبلوماسية التي عمل بها. وكان تعيينه قد جاء في سياق الفشل الذريع الذي حصده سلفه رمطان لعمامرة في مجال المواجهة الدبلوماسية مع المغرب، ولا سيّما فيما يتعلق بالدفاع عن الأطروحة الانفصالية، وحشد التأييد والمساندة لها.
واليوم يقترب الوزير الجزائري من إتمام عامه الثاني على رأس الدبلوماسية الجزائرية على إيقاع الفشل المتواصل في مختلف الساحات سواء العربية أو الإفريقية أو الدولية. ماذا حصدت الجزائر مع أحمد عطاف؟ منذ تعيينه تفاقمت الأزمات الدبلوماسية وتوترت العلاقات الخارجية للبلاد مع مختلف الدول العربية والأوربية والإفريقية. بدأت هذه الورطات الجديدة للدبلوماسية الجزائرية في يونيو 2022 عندما قررت الجزائر تعليق معاهدة التعاون والصداقة مع إسبانيا في أعقاب اعتراف مدريد بالسيادة المغربية على الصحراء. وأفضت هذه الأزمة إلى الإطاحة برمطان لعمامرة لاحقا وتعيين عطاف بديلا له، لكن هذا الأخير لم يستطع تغيير واقع الإذعان الجزائري لضغوط الاتحاد الأوربي، وظلت الجزائر ملزمة بتوريد الغاز إلى مدريد على الرغم من تهديدها السابق بوقفه.
تفاقمت الصفعات التي تلقتها الدبلوماسية الجزائرية في عهد أحمد عطاف عندما تقرر رسميا في أجهزة الاتحاد الإفريقي استبعاد الهيئات التي لا تمتلك العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من اجتماعات ومؤتمرات الشراكة الإفريقية مع دول العالم. وفي هذا السياق وفي أعقاب المناورة الخبيثة التي دبرها النظام الجزائري بتهريب ممثل عن الجبهة الانفصالية لحضور مؤتمر الشراكة الإفريقية اليابانية، لم يتمكن بعدها الجزائريون من إدراج مشاركة التنظيم الانفصالي في أيّ لقاء من اللقاءات التالية، والتي كان من أبرزها اجتماع القمة الكورية الإفريقية في يوليوز 2024. وفي عهد أحمد عطاف دائما سحبت العديد من الدول اعترافها بالتنظيم الانفصالي وكان من أبرزها الإكوادور وبنما، ثم دولة غانا التي أعلنت تجميد علاقاتها هذا الأسبوع في الوقت الذي كان وزير الخارجية الجزائري يجري جولة إفريقية ويقترب من زيارة أكرا لتهنئة الرئيس الجديد بانتخابه.
وقبل هذه الصفعة، كان الفشل في إقناع دول منظمة “بريكس” وعلى رأسها الحليف الروسي بأهمية ضم الجزائر إلى هذا التحالف، أقوى صفعة تلقتها الدبلوماسية الجزائرية في عهد أحمد عطاف. ففي غشت من عام 2023 وبعد بضعة أشهر فقط من توليه مسؤولية الخارجية الجزائرية نزل قرار الدول الخمس الأعضاء في منظمة بريكس باستبعاد قبول عضوية الجزائري كالصاعقة على النظام الجزائري الذي كان يعتقد أن الولاء المطلق لروسيا والعلاقات المشبوهة مع جنوب إفريقيا كافيان لإقناع هذه المنظمة بأهمية انضمام الجزائر إليها. لكن اتضح حينها أن الجزائر تفتقد وفقا لتفسيرات هذا القرار إلى المكانة والهيبة الاقتصادية والدبلوماسية الكافية للالتحاق بمنظمة من هذا الحجم، بينما حظيت دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والأرجنتين بالترحيب.
وقبل أسابيع فقط كان الفشل الأكبر للخارجية الجزائرية على موعد مع صفعة صادمة تجلّت في انضمام فرنسا إلى صف الدول المعترفة رسميا بالسيادة المغربية على الصحراء، وتوقيع اتفاقية الجيل الجديد من الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، بما يعنيه ذلك من تمويل ودعم للمشاريع التنموية الكبرى في الأقاليم الجنوبية. لقد حاولت وزارة الخارجية الجزائري منذ تولي أحمد عطاف المسؤولية الضغط على السلطات الفرنسية وإغراءها بشتى الوسائل لثنيها عن هذا القرار، لكن الفشل كان مرة أخرى حليف النظام الجزائري. وفي الوقت الذي كانت الرئاسة الجزائرية تدافع فيه عن اختيارها لأحمد عطاف باعتباره مسؤولا من طراز خاص، سرعان ما اتضح أنه لا يعدو أن يكون وزيرا عاديا ومتواضعا من حيث الكاريزما والأداء والتخطيط، وبدا ذلك أكثر جلاء في اللقاءات المهينة التي عقدها في الآونة الأخيرة مع مسؤولين ودبلوماسيين من الدرجة الثانية في عدد من العواصم الإفريقية التي زارها.
ولعلّ العنوان الأكبر للحصيلة التي حققها هذا الوزير منذ توليه المسؤولية أنه شكل بامتياز وزير العزلة الجزائرية، بدلا من أن يكون جسرا لدبلوماسية بلاده وتعزيز صلاتها بمحيطها العربي والإفريقي والدولي. ففي عهده توترت علاقات الجزائر تقريبا مع كل البلدان المجاورة سواء في منطقة الساحل الإفريقي على غرار ما حدث مع مالي والنيجر، أو في المحيط العربي، حيث توترت علاقات البلاد مع عدد من دول الخليج العربي، بينما زادت هذه العزلة على الصعيد الدولي مع استمرار الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، في حين لم تنجح الجزائر على الرغم من استجداء عبد المجيد تبون في إقناع روسيا بدعم مواقفها المخزية ضد المغرب.