هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟
الدار/ تحليل
ليس هناك جهاز مخابرات أكثر خبرة في فبركة الاعتداءات والاختطافات وعمليات الترهيب أكثر من مخابرات النظام الجزائري. لقد كانت العشرية السوداء التي عاشتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي مرحلة حافلة بالعديد من الأحداث الأمنية الكبيرة، التي اتضح لاحقا تورط المخابرات والجيش فيها. ومن المستغرب أن تظلّ أوكار التنظيمات الإرهابية قائمة إلى يومنا هذا في مناطق عديدة من التراب الجزائري بعد عقود طويلة من المواجهة، ظلّت السلطات الجزائرية تدّعي خلالها أنها تمكّنت من تحييد الجماعات المسلحة أو القضاء على بعض الذئاب الشاردة، دون أن تعلن حسم هذه المعركة نهائيا. لذا؛ تبدو فرضية تورط النظام الجزائري نفسه في اختلاق هذه الأجواء غير المستقرة محتملة إلى حد بعيد.
آخر الأحداث المثيرة للشكوك والريبة حادثة اختطاف السائح الإسباني نفارو كندا جواكيم يوم 14 يناير الجاري من طرف تنظيم إرهابي في جنوب الجزائر خلال قيامه برحلة سياحية. مباشرة بعد هذا الحادث سارعت السلطات الأمنية الجزائرية إلى إعلان تعرّضه للاختطاف من طرف جماعة إرهابية نقلته إلى شمال مالي دون أن تعلن أيّ تفاصيل حول كيفية التوصل إلى هذه المعلومات. وبعد بضعة أيام أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية يوم أمس عن تسلّم السائح، مشيرة إلى أنه اختطف من طرف «عصابة مسلحة متكونة من خمسة أفراد»، من دون تقديم أي تفاصيل عن هوية الخاطفين ولا إن كانوا اشترطوا فدية أو أي شيء آخر، مقابل إخلاء سبيله.
واكتفت وزارة الدفاع الجزائرية في بلاغ إعلان تسلّم المختطف بشكر أجهزتها والإطراء عليها، حيث ذكرت أن «هذه العملية تؤكد مرة أخرى، الاحترافية الفعالة للمصالح الأمنية للجيش الوطني الشعبي، في مكافحة شتى أشكال الجريمة المنظمة عبر كامل التراب الوطني». هذا ما كشفته السلطات الجزائرية دون أيّ معلومات إضافية تحدد الجهة المختطفة ومطالبها والطريقة التي تمت بها عملية تحرير السائح الإسباني قبل العودة به إلى الجزائر وتسليمه إلى سلطات بلاده. وقد بدا أن العملية كلها تشبه حملة علاقات عامة لتسويق صورة النظام الجزائري الحريص على محاربة الإرهاب وضمان الاستقرار، حيث سارع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بدوره إلى نشر تغريدة على منصة إكس قال فيها: «أشكر مصالحنا الأمنية وأطر وزارة الدفاع الوطني، على تحلَيهم بالفعالية والسرَية، خلال عملية تحرير المواطن الإسباني».
ولكي تكتمل المسرحية الهادفة إلى إظهار الجزائر باعتبارها حليفا لا غنى عنه في محاربة الظاهرة الإرهابية بالمنطقة نظمت السلطات الجزائرية ما يشبه حفل مراسيم لتسليم السائح الإسباني، بحضور سفير بلاده في الجزائر فرناندو موران كالفو سوتيلو في مقر وزارة الخارجية. وأدلى السفير بتصريح شكر فيه السلطات الجزائرية وجاملها، مشيداً بأدائها الأمني في عملية التحرير. واحتفت الصحافة ووسائل الإعلام الجزائرية بهذا التصريح محاولة استثماره لإظهار النظام الجزائري باعتباره المنقذ من الإرهاب، مع أن هذه العملية تذكّر بما كان يحدث في فترات الانفلات الأمني السابقة في جنوب الجزائر المترامي الأطراف. ولو ثبتت حقيقة تعرّض السائح الإسباني للاختطاف فإنها ستعكس أساسا ضعفا وفشلا أمنيا ذريعا في منطقة من المفترض أن تخضع لتغطية واسعة للجيش الجزائري.
لذلك يبدو أن هذه الحادثة تمثل طوق نجاة جديدا لجأ إليه النظام الجزائري لاختلاق ذريعة تؤكد حاجة الدول الأوربية خصوصا والغربية عموما إلى خدماته الأمنية في المنطقة. ويتزامن هذا الحادث مع تطورين بارزين: يتمثل الأول في الأزمة الدبلوماسية التي تمرّ بها العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي وصلت حدّتها إلى درجة تهديد باريس بمراجعة اتفاقيات قديمة بين البلدين تعود إلى بدايات استقلال الجزائر. ويتجلى الحدث الثاني البارز في تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقيادة ولاية رئاسية ثانية، مع ما يمثله ذلك من ترقّب وتوجس لدى قادة نظام الكابرانات بسبب الارتباطات الوثيقة بين النظام الجزائري ودول مارقة مثل إيران. ومن مصلحة النظام الجزائري في ظل هذه الظرفية الخاصة البحث عن منافذ جديدة لتلميع صورته وتخفيف الضغوط والتخوفات التي تنتابه حول مستقبل علاقاته الخارجية.