سلايدرمغرب

قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري

بقلم: ياسين المصلوحي

شكلت القمة العربية، المنعقدة في القاهرة في الرابع من مارس الجاري، حدثًا مهمًا يحمل في ثناياه عدة دلالات، خصوصًا وأنها قمة طارئة تتدارس القضية الفلسطينية فقط. كما أنها جاءت على خلفية خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة، بدعوى إعادة إعمار القطاع، وتحركاته الدولية من أجل حشد الدعم لهذا المقترح، مستعملًا في ذلك كل الأساليب، بين الترغيب مرة، من خلال التلويح بورقة المساعدات المادية وإلغاء ديون الدول المستقبلة للمهجرين، مثلما وقع مع مصر، والترهيب مرة أخرى في وجه الدول الرافضة لذلك، وأيضًا للفلسطينيين بشكل ضمني، من خلال تهديدهم بفتح أبواب جهنم على قطاع غزة، وهو جزء من سياسة ترامب الجديدة التي يسعى فيها لإعادة رسم المنظور الدولي.
خلال هذه القمة، اتضح بالملموس اتفاق عربي كلي من خلال كل الحاضرين على الاتحاد في وجه خطة التهجير، ودعم خطة إعادة الإعمار المقدمة من دولة مصر دون تنقيل للفلسطينيين، بتمويل ودعم مادي عربي. وهو ما أعاد للواجهة الإيمان بإمكانية اتحاد الدول العربية وتكتلها لمواجهة كل التهديدات والمخاطر، وأنها قادرة على صناعة قرارها بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، بما يخدم مصالحها.
كما تميزت هذه القمة بحضور أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا، الذي يمثل العودة الحقيقية لسوريا إلى حضن جامعة الدول العربية بعد غياب دام 14 سنة. ورغم أن قمة 2023 شهدت حضور بشار الأسد، إلا أن هذا الحضور لم يكن ذا دلالة كما هو الحال عليه الآن.
المثير في هذه القمة هو غياب ممثل النظام الجزائري، الذي طالما تغنى بالدفاع عن القضية الفلسطينية وتبنيها، وصياغة شعارات مدغدغة للجماهير، يقدم من خلالها استعداده لدعم فلسطين، وأن ما يحول بينه وبين ذلك هي الحدود المغلقة. إلا أنه في أول فرصة سنحت له لتقديم المساعدة الفعلية، من خلال الحضور والمناقشة في هذه القمة الاستثنائية التي تهتم بالقضية الفلسطينية وتقديم الدعم، تخلف عن الحضور والمساهمة بعذر واهٍ أقبح من الزلة، ألا وهو عدم إشراك الجزائر في تحضيرات هذه القمة! كما لو أن كل الدول الحاضرة قد تم إشراكها في الاستعدادات. حيث يتبين أن الجزائر لم يكن هدفها المساهمة البناءة، بقدر ما يهمها الشهرة والبروز والركمجة على القضية، واعتلاء المشهد الدبلوماسي في جعجعة دون طحين.
هذا التصرف، الخارج عن أعراف الدبلوماسية بصفة عامة، وفي هذه المرحلة الحرجة من مسار القضية بصفة خاصة، يؤكد أكثر على العزلة الدبلوماسية التي تعيشها الجزائر. فبعدما كان الأمر مقتصرًا على جيرانها، توسعت رقعة العزلة لتطال باقي الدول العربية، التي لم تعد تجد لها مكانًا بينها.
من جهة أخرى، نسجل الحضور الوازن للمغرب في هذه القمة، من خلال مشاركته القيمة وتدخلاته الرزينة، للمساهمة في استقرار وإعمار قطاع غزة. وهو ما كان قد عبر عنه ناصر بوريطة مباشرة، عندما تم اقتراح خطة التهجير الأمريكية، التي تم رفضها جملة وتفصيلًا. كما أن هذه القمة كانت فرصة لإعادة توطيد روابط الأخوة والصداقة مع مجموعة من الدول العربية، ولعل أبرزها ما حدث على هامش هذه القمة من عقد لقاء في الرياض، في إطار أشغال الدورة الرابعة عشرة للجنة المشتركة المغربية السعودية، بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود. حيث تمت الإشادة بالدور الريادي الذي يلعبه المغرب من أجل مساعدة القضية الفلسطينية، من خلال ترؤس جلالة الملك محمد السادس للجنة القدس، إضافة إلى مكانة المغرب البارزة في القارة الأفريقية، وهو ما يثبت مكانة الدول العربية والإسلامية في هذه القارة، عبر تمثيل المغرب للدول العربية فيها. كما كانت هذه القمة فرصة لإشادة المملكة العربية السعودية بمقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية، كحل وحيد وأوحد لقضية الصحراء المغربية.
هذه المواقف السياسية والدبلوماسية، وسابقاتها من طرف مجموعة من الدول العربية، تؤكد بما لا يترك مجالًا للشك أن النظام الجزائري يغرق يومًا بعد يوم في رمال متحركة من الوهم والزعامة المصطنعة، مقابل ازدهار تنموي وعلاقات دولية قوية تنسجها المملكة المغربية، للحفاظ على اللحمة العربية والإقليمية، وصيانة الروابط التاريخية والحضارية والإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى