أخبار الدارسلايدر

المغرب وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا

المغرب وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا

يعرف المشهد الجيوسياسي والاقتصادي في إفريقيا تحولا استراتيجيا عميقا، يتصدره المغرب كرائد لمعادلة جديدة تضع أسس الإستقلال الإقتصادي والسيادي بعيدا عن الهيمنة الفرنسية التقليدية. فبناء موانئ في كبيرة في الصحراء المغربية وعلى رأسها ميناء الداخلة الأطلسي، وتعزيز العلاقات مع دول الساحل ، وفتح معابر طرقية جديدة مع موريتانيا، إلى جانب التعاون العسكري والاستخباراتي مع الولايات المتحدة ، كلها خطوات تعكس وعيا استراتيجيا بأهمية ترسيخ حضور المملكة القوي في القارة السمراء ، مع تزامن تصاعد نفوذ الصين وروسيا وتركيا والهند، أمر يعيد رسم خارطة النفوذ الإقليمي والدولي ، ويؤسس لشراكات مبنية على مبدأ “رابح-رابح” بدلًا من التبعية والاستغلال .

في ظل هذا التحول، تجد فرنسا نفسها أمام تداعيات فقدان نفوذها بعد عقود من الهيمنة الاقتصادية والسياسية في إفريقيا. فطردها من دول الساحل لا يعدو كونه إشارة أولى إلى إنهيار استراتيجيتها الإستعمارية المقنعة، في وقت يتعاظم فيه الدور المغربي كفاعل رئيسي في إعادة تشكيل ميزان القوى. فلم يعد بإمكان أوروبا نهب القارة كما في السابق، بل بات عليها الإمتثال لشروط جديدة تحكمها قوانين السوق الدولية ، حيث يتعين عليها شراء ما تحتاجه بدل فرض شروطها المجحفة. فالمغرب الذي قطع مع دور التابع ، وسعى جاهدا ليكون قوة مستقلة تقود شراكات حقيقية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ،يجد نفسه اليوم قوة اقليمية ودولية يضرب ها الف حساب في نادي التحالفات الدولية الجديدة .
فالتحول الجاري ،أضحى يفرض على الأوروبيين إعادة النظر في سياساتهم تجاه إفريقيا و المغرب، إذ لم يعد بإمكانهم فرض إرادتهم كما اعتادوا ، فالعواصم الأوروبية، وعلى رأسها باريس، مضطرة الآن للتكيف مع واقع جديد يفرضه المغرب وشركاؤه الأفارقة ، بعدما أثبتوا قدرتهم على إدارة ملفاتهم الاقتصادية والإستراتيجية بعيدا عن الوصاية الخارجية. مع كل هذه المستجدات، تجد أوروبا نفسها متفرجة على إعادة تشكيل التوازنات في القارة ، دون أن يكون لها دور رئيسي في هذه المعادلة الجديدة.

ختاما، أثبت المغرب اليوم أنه قوة إقليمية صاعدة وفاعل رئيسي في المشهد الإفريقي والدولي، بفضل دبلوماسيته الذكية، وشراكاته المتكافئة، ورؤيته الاستراتيجية التي ترتكز على التعاون والتنمية المشتركة. في المقابل، تواصل الجزائر عزلتها، عاجزة عن مواكبة تحولات النظام العالمي الجديد، متشبثة بخطابات الماضي التي لم تعد تصنع التأثير ولا ترسم مستقبل القارة. وبينما يعزز المغرب موقعه كجسر بين إفريقيا والعالم، تظل الجزائر على الهامش، تراقب من بعيد عاجزة غير قادرة على فرض رؤيتها على الساحة الدولية.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في قضية الصحراء المغربية.
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى