
بقلم: نورالدين زاوش
قبل خمسة عشر عاما، نشرتُ مؤلَّفا لي في القصة القصيرة تحت عنوان: “إنّك لن تستطيع معي صبرا”، وتضمَّن الكتاب تسعاً وستين قصة قصيرة، وقد اخترتُ هذا العدد دون سواه؛ لأنه عدد يتميز بكونه يُقرأ من اليمين إلى اليسار كما من اليسار إلى اليمين؛ وذلك في إشارةٍ خفية للمغزى الذي أردتُه من المؤلَّف؛ حيث يكون لكل قصة وجهان أحدهما واضح معلن يستشفه القارئ منذ البداية، والآخر خفي مُسْتَتِرٌ يصدم القارئ عند النهاية؛ تماما مثلما حدث في قصة الخِضْر وموسى عليهما السلام، والتي أنبأنا الله تعالى بها في سورة الكهف.
لقد تذكرتُ هذه التفاصيل في الذكرى التاسعة والستين من تأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، والمناسبة شرط، وما أثار انتباهي أن في هذا اليوم المبارك عرَض الأمن الوطني أول دورية كمنتوج وطني خالص، مصنوعة بالأيادي الشريفة لتقنيي ومهندسي الأمن الوطني الشرفاء؛ وتتوفر هذه الدورية على كاميرات عالية الجودة، مستعملة آخر ما توصّلت إليه التكنولوجيا الحديثة، ومُدعَّمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ومرتبطة بشكل آلي مع بنك المعلومات الذي توفره مختلف المؤسسات.
العجيب في الأمر، أنَّ مؤسسة الأمن العريقة أطلقت على هذه الدورية اسم “أمان”، وكأنه عنوان من عناوين قصصي السالفة؛ حيث يُمْكن لهذا الاسم أن يُقرأ قراءتين متباعدتين؛ قراءة ظاهرة تفيد الأمن والأمان للمواطنين الشرفاء وللوطن أجمع، وقراءة خفية لا تفيد الذُّعر والهلع في صفوف المجرمين والخونة فحسب؛ بل أيضا تَذُب الرعب في صفوف من يتربص ببلدنا الحبيب، وفي أوصال من يعمل، بالليل والنهار، من أجل تقسيمه.
إنّ هذا الرعب الذي تزرعه مؤسسات المملكة المغربية الشريفة، سواء كانت مؤسسات أمنية أو عسكرية أو حتى ديمقراطية، خصوصا بعدما تحول المغرب إلى بلد رائد في مجال الصناعات العسكرية في إفريقيا والعالم، ربما هو مَن كان مِن وراء مصادقة الحكومة الجزائرية على قانون “التعبئة العامة” في 20 أبريل الفائت، وكذا الدعوة المضحكة التي وجّهتها، قبل أيام، لجنة برلمانية جزائرية إلى الدولة الجزائرية، من أجل بناء ملاجئ لحماية المواطنين.
إن كمية الحب التي يشاهدها المرء في عيون عموم المواطنين وهم يأخذون صورا تذكارية، في عيد الأمن الوطني، مع الوطني الغيور “عبد اللطيف حموشي”، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، أعظم من كل الأوسمة التي تَوَشّح بها صدرُه في مختلف بقاع العالم، وأفتك بالمتربصين من كل الأسلحة التي تصنعها، وستصنعها، المملكة المغربية الشريفة؛ لأن هذا الحب الخالص، بكل بساطة، هو رأس مال هذه الأمة العظيمة، وهو الذي يجمع الشعب المغربي بقيادته الرشيدة، وعلى رأسها، السُّدة العالية بالله، المنصور بإذن الله، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.
من أجل هذا كله، ومن أجل أشياء أخرى؛ فإن لسان حال الإمبراطورية المغربية الشريفة، التي أوقفت زحف جحافل العثمانيين على حدود أراضيها، ونُصِرتْ بالرعب مسيرة شهر أو يزيد، يقول لعصابة العسكر التي ترتعد فرائصُها خوفا، وترتجف قسمات وجهها ذعرا: “إنكِ لن تستطيعي معي صبرا”.