من الحرير إلى الشراكة الذكية.. المغرب والصين ينسجان مستقبلًا بحكمة حضارتين

الدار/ تحليل
في زمن يعيد تشكيل تحالفاته وتوجهاته، تبرز العلاقة المغربية الصينية كتحالف غير تقليدي، لا يقوم فقط على تبادل المصالح، بل ينبع من عمق حضاري وروابط إنسانية تمتد لقرون.
فالمغرب، البلد الإفريقي العربي الأمازيغي المتوسطي، والصين، القوة الآسيوية الصاعدة بثبات، يشتركان في رؤية تتجاوز الأرقام والمعاهدات، نحو تعاون يحمل نكهة التاريخ وبوصلة المستقبل.
من طريق الحرير القديم إلى “طنجة تيك” الحديثة، لم تكن الروابط بين الرباط وبكين وليدة اللحظة. إنها امتداد لمسار طويل من التبادل التجاري والثقافي، تحول اليوم إلى نموذج حديث لشراكة جنوب-جنوب بنَفَس استراتيجي. فالصين لا ترى في المغرب مجرد سوق، بل بوابة ذكية نحو القارة الإفريقية وأوروبا، بينما يدرك المغرب أن الانفتاح على الشرق يمنحه توازنًا في عالم تزداد فيه تعقيدات الغرب.
المدينة الصناعية الذكية بطنجة، التي تشكل حجر الزاوية في التعاون الاقتصادي بين البلدين، ليست مشروعًا عاديًا. إنها تجسيد لطموح مشترك في خلق نواة صناعية متطورة، تعتمد على التكنولوجيا والاستدامة، وتفتح آفاقًا للشباب المغربي في سوق عالمي تنافسي. كما تعكس هذه المدينة – إلى جانب مشاريع في الطاقة والبنية التحتية – رغبة الطرفين في بناء اقتصاد متكامل لا يقوم على التبعية، بل على التكافؤ والتكامل.
لكن ما يميز هذا التحالف حقًا هو بعده الثقافي والإنساني. الجامعات المغربية باتت تُدرّس اللغة الصينية، والمراكز الثقافية تزدهر، بينما يسافر مئات الطلاب المغاربة سنويًا إلى الصين طلبًا للعلم. إنها جسور ناعمة تبنيها الشعوب بهدوء، وتؤسس لعلاقة ثقة لا تصدأ مع الزمن.
وعلى مستوى السياسة الدولية، يتقاطع الخطاب المغربي القائم على احترام السيادة وعدم التدخل، مع فلسفة الصين التي ترفض الهيمنة وتدعو لعالم متعدد الأقطاب وصين واحدة.
هذه المبادئ المشتركة تمنح للشراكة بُعدًا أخلاقيًا نادرًا في عالم تسيطر عليه الحسابات الباردة.
المغرب والصين لا يكتفيان اليوم باستعادة أمجاد ماضٍ مشترك، بل يبدعان في صياغة حلف جديد عنوانه التوازن والحكمة. تحالف لا يستعرض عضلاته، بل يزرع بهدوء ركائز لمستقبل أكثر عدلًا وتنوعًا.
وفي عالم يتهدده التفكك والصدام، قد يكون هذا التحالف الحضاري-الاستراتيجي بين الرباط وبكين أحد أبرز النماذج التي تبرهن أن التفاهم والتعاون لا يزالان خيارًا واقعيًا… بل وربما الأكثر استدامة.