
بقلم: ذ/الحسين بكار السباعي
منذ قرون ظل المغرب بلدا عصيا على محاولات الإنكسار والخضوع، محكوما برباط وثيق بين العرش والشعب. فمن معركة وادي المخازن سنة 1578، حين هزمت جحافل البرتغال أمام وحدة المغاربة بقيادة ملكهم، إلى ثورة الملك والشعب سنة 1953، ظل تاريخ هذا الوطن شاهدا على أن كل أزمة تنقلب إلى حافز للتماسك، وكل مؤامرة تتحول إلى شرارة لليقظة الوطنية. ولعل قول الحسن الثاني رحمه الله يظل بليغا في هذا السياق: “المغرب شجرة جذورها في إفريقيا وأغصانها في أوروبا، ولا يمكن لأي ريح عاتية أن تقتلعها”، وهو تعبير صريح عن عمق الشرعية التاريخية التي ظلت تمنح الملكية المغربية قدرة فريدة على الاستمرار والتجدد.
لقد أصبح من العبث ما تحاوله بعض الأقلام المأجورة، وعلى رأسها صحيفة لوموند الفرنسية في أعدادها الأخيرة ومنها عدد اليوم 27 غشت 2025 الذي تجاوزت فيه كل الخطوط الحمراء ،ضاربة عرض الحائط أخلاق واعراف مهنة الصحافة ، من خلال تطاول على النظام الملكي المغربي والملك محمد السادس حفظه الله. إن هذا التحامل لا يخلو من خلفية إستعمارية دفينة، إذ لا تزال الذاكرة الفرنسية مثقلة بقوة شخصية محمد الخامس طيب الله ثراه، حين رفض الرضوخ لمطالب سلطات الحماية، وفضل النفي والمنفى مع أسرته على أن يتنازل عن سيادة المغرب، ليتحول حدث نفيه إلى الشرارة التي أطلقت ثورة الملك والشعب. ولا تزال تلك الذاكرة تؤرقها صورالملك الحسن الثاني رحمه الله ، الذي أحرج الصحافة الفرنسية طيلة عقود بحكمته ودهائه، وجعل من الملكية المغربية مؤسسة مؤطرة للدولة ومحصنة لسيادتها.
أما اليوم، فإن ما يزعج فرنسا وبعض دوائرها الإعلامية هو أن الملك محمد السادس إستطاع أن يقلب موازين النفوذ في القارة الإفريقية، منتزعا منها زمام المبادرة بفضل سياسة تنموية قائمة على الشراكات الاقتصادية، والدعوة إلى تحرير إفريقيا من التبعية، مما جعل قادة العالم يشهدون له بالريادة. فالرئيس السنغالي الأسبق عبدو ضيوف وصفه بأنه “ملك يحمل في قلبه قارة بأكملها”، فيما أكد الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون أنه “قائد إصلاحي إستطاع أن يجعل بلاده نموذجا في الإستقرار والإصلاحات”. هذه الشهادات تكفي للرد على خطاب التشويش والتحامل.
لقد غفلت “لوموند” ومن يساندها أن الملكية المغربية ليست سلطة طارئة ولا رهينة نزوات، بل هي عماد الدولة وضمان إستمراريتها، وحصنها المنيع أمام كل مشاريع الوصاية والتفكيك. في حين تتهاوى أنظمة إقليمية أمام رياح الأزمات، يظل المغرب بفضل مؤسسته الملكية متماسكا و متجددا و قادرا على مواجهة التحديات، من محيطه الأطلسي إلى عمقه الإفريقي.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد سجال إعلامي عابر، بل جزء من حرب ناعمة تستهدف المغرب في عمقه الإستراتيجي، عبر مقالات مأجورة وحملات على منصات التواصل الاجتماعي. والرد الواجب ليس فقط في فضح خلفيات هذه الحملات، بل في تقوية الجبهة الداخلية وتحصين الوعي الوطني، لأن وحدة الصف المغربي كانت وستظل دائما سلاحا لمواجهة كل أشكال العداء.
ختاما، إننا اليوم مدعوون إلى التعبئة الوطنية، إلى أن نكون جميعا على قلب رجل واحد، وراء ملكنا محمد السادس نصره الله وأيده، في الدفاع عن شرعية تاريخية لم تنكسر يوما، وفي حماية سيادة وطن لم يخضع لغير إرادة أبنائه. فتاريخ المغرب علمنا أن خصومه قد يملكون الأقلام والوسائل، لكن المغاربة يملكون الشرعية والعزيمة، وهيهات أن تنال حملة مأجورة من شموخ مملكة ضاربة جذورها في عمق التاريخ.
إنتهى الكلام.
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية.