أخبار الدارسلايدر

ربط المسؤولية بالمحاسبة بين المقتضى الدستوري وإشكالات التنزيل المؤسساتي في المغرب

ربط المسؤولية بالمحاسبة بين المقتضى الدستوري وإشكالات التنزيل المؤسساتي في المغرب

إن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما ورد في الفصل الأول من دستور 2011 يشكل إحدى الدعائم الجوهرية للنظام الدستوري المغربي، وهو تعبير عن الإرادة في الإنتقال من منطق السلطة المطلقة إلى منطق الحكامة الرشيدة. غير أن هذا المبدأ وإن كان يؤطره النص الدستوري بشكل صريح، فإنه يظل من الناحية العملية أقرب إلى الشعار منه إلى القاعدة القانونية المنفذة، ما دام لم يحسم بعد في طبيعة المحاسبة هل هي قبلية وقائية أم بعدية زجرية،أم سياسية وإدارية ،أم قضائية، وما دامت الآليات المحدثة بموجب القوانين العادية لم تستطع إرساء تمييز دقيق بين أصناف المسؤوليات.

إن المؤسسات الرقابية القائمة مثل المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية، إضافة إلى آليات التدقيق الداخلي، تؤدي أدوارا متعددة في تتبع التدبير العمومي، غير أنها لم تنجح في الفصل بين ما يدخل في خانة الإختلالات الإدارية المرتبطة بسوء التدبير، وبين ما يرقى إلى مستوى المخالفات المالية أو الجنائية التي تستدعي تحريك المتابعات القضائية. وهو ما يعكس غياب التنسيق والتدرج في تحديد مسارات المحاسبة، إذ كثيرا ما تظل التقارير في حدود التوصيات، فيما لا تصل إلا نسبة محدودة من الملفات إلى القضاء. ويؤدي هذا الوضع إلى إضعاف المبدأ ذاته، إذ يفترض أن المحاسبة، كي تكتسي معناها الديمقراطي، يجب أن تكون شاملة و شفافة وملزمة، وألا تخضع للإعتبارات الظرفية أو الإنتقائية.
إن القراءة المتأنية تبرز أن المشرع الدستوري إكتفى بوضع الإطار المرجعي دون أن يتبعه بقوانين تنظيمية دقيقة تحدد آليات التفعيل. فالمسؤولية السياسية يفترض أن تمارس من خلال البرلمان وآليات الرقابة على العمل الحكومي، بينما المسؤولية الإدارية ينبغي أن تفعل وفق النظام الأساسي للوظيفة العمومية، والمسؤولية القضائية عبر قضاء متخصص مالي وجنائي. غير أن هذا التمايز ظل غامضا، مما حال دون تحويل المبدأ إلى ممارسة مؤسساتية ناجعة.

ولذلك، فإن إستكمال بناء هذا المبدأ يستوجب تطوير منظومة القوانين التنظيمية بما يحدد بدقة طبيعة المحاسبة ومداها، وإرساء تنسيق مؤسساتي صارم بين الأجهزة الرقابية، وإقرار إلزامية الإحالة على القضاء كلما تبينت المخالفات، فضلا عن فتح هذه المساطر أمام الرأي العام ضمانا للشفافية. فبدون ذلك سيظل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ معلق بين النص الدستوري والخطاب السياسي، في حين أن روحه الحقيقية تقتضي جعله ممارسة مؤسسة تجسد المساواة أمام القانون وتعزز الثقة في المؤسسات. فالقضاء المغربي من خلال محاكم و غرف جرائم الأموال ، بدأ يتعامل مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات كوثائق مرجعية يمكن أن تشكل أساسا لتحريك المتابعات الجنائية، غير أن هذه الممارسة ما تزال محتشمة، ولا ترقى إلى ما أقرته التجارب المقارنة من إلزامية في المتابعة أو وضوح في المساطر. لذلك فإن تفعيل المبدأ الدستوري يقتضي إعادة هيكلة المنظومة القانونية عبر سن قوانين تنظيمية دقيقة تحدد بجلاء أصناف المسؤوليات، وتقر إلزامية الإحالة على القضاء متى ثبتت المخالفات المالية أو الجنائية، وتكرس التنسيق بين الأجهزة الرقابية، على غرار ما هو معمول به في فرنسا وإسبانيا.

ختاما، إن ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس مجرد شعار دستوري، بل هو رهان على بناء الثقة في المؤسسات وتحصين المال العام وتكريس المساواة أمام القانون. وأن قوة أي محاسبة تكمن في إرساء قضاء متخصص مستقل، مع ضرورة تكامل أدوار الرقابة البرلمانية والإدارية والقضائية ضمن نسق مؤسسي منسجم.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى